ولا يصح عندنا تقليد الغير في ذلك مهما كان ذلك الغير منزلة وخطرا (٢).
وما جاء في القرآن الكريم من الحث على التفكير واتباع العلم والمعرفة فإنما جاء مقررا لهذه الحرية الفطرية في العقول التي تطابقت عليها آراء العقلاء وجاء منبها للنفوس على ما جبلت عليها من الاستعداد
والمعرفة الزائدة ليست بواجبة على كل أحد. وإن أمكن القول بوجوبها على بعض كالطلاب دفعا للشبهات الواردة من ناحية المنكرين والملحدين ، فلا تغفل.
(٢) فإنه مع التقليد ـ ما لم يوجب العلم ـ يبقى احتمال الخطأ ومعه لا يكون معذورا فيما إذا لم يصادف ما أخذه بالتقليد مع الواقع فما يكون علة لوجوب المعرفة من وجوب دفع الضرر المحتمل أو وجوب شكر المنعم باق بحاله ، ويدعوه نحو تحصيل المعرفة ؛ لعدم حصول المعرفة المطلوبة بالتقليد المذكور.
ولذا صرّح أبو الصلاح الحلبي في تقريب المعارف بأن اتباع الجل مع اختلافهم في الأقوال والآراء محال ؛ للتنافي ما بينهم ، واطراح الجل يقتضي كونه على ما كان عليه من الخوف ، واتباع البعض عن تقليد لا يرفع خوفه مما أطرحه من المذاهب لتجويز كونه حقا ولا يقتضي سكونه إلى ما ذهب إليه لتجويز كونه باطلا ، فلم يبق لتحرزه من الضرر المخوف إلّا النظر المميّز للحق من الباطل فوجب فعله ؛ لكونه تحرزا من ضرر (١).
ولا ينافي ذلك ما مر من كفاية حصول العلم بالتقليد فإن التقليد المبحوث عنه في المقام هو الذي لا يوجب العلم.
__________________
(١) تقريب المعارف : ص ٣٤.