القوّة والتمام والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف والنقصان وإن كان كلاهما موجوداً حقيقة وأحدهما خالق للآخر وموجد له ، فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معاً نعم حقيقة الوجود واحدة ، فهو مما لا يستلزم الكفر والنجاسة بوجه بل هو مذهب أكثر الفلاسفة بل مما اعتقده المسلمون وأهل الكتاب ومطابق لظواهر الآيات والأدعية ، فترى أنّه عليه‌السلام يقول : « أنت الخالق وأنا المخلوق وأنت الرب وأنا المربوب » (١) وغير ذلك من التعابير الدالة على أن هناك موجودين متعدِّدين أحدهما موجد وخالق للآخر ، ويعبّر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامِّي.

وإن أراد من وحدة الوجود ما يقابل الأول وهو أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة وأنه ليس هناك في الحقيقة إلاّ موجود واحد ولكن له تطورات متكثرة واعتبارات مختلفة ، لأنه في الخالق خالق وفي المخلوق مخلوق كما أنه في السماء سماء وفي الأرض أرض وهكذا ، وهذا هو الذي يقال له توحيد خاص الخاص وهذا القول نسبه صدر المتألهين إلى بعض الجهلة من المتصوفين ، وحكى عن بعضهم أنه قال : ليس في جبتي سوى الله ، وأنكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم (٢) ، وإنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار فان العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدعي اختلافهما بحسب الاعتبار.

وكيف كان فلا إشكال في أن الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة ، لأنه إنكار للواجب والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلاّ بالاعتبار ، وكذا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو جهل مثلاً متّحدان في الحقيقة على هذا الأساس وإنما يختلفان بحسب الاعتبار.

وأمّا إذا أراد القائل بوحدة الوجود أن الوجود واحد حقيقة ولا كثرة فيه من جهة وإنما الموجود متعدِّد ، ولكنه فرق بيّن بين موجودية الوجود وبين موجودية غيره من الماهيّات الممكنة ، لأنّ إطلاق الموجود على الوجود من جهة أنّه نفس مبدأ الاشتقاق‌

__________________

(١) كما في دعاء يستشير مفاتيح الجنان : ٧٨.

(٢) لاحظ الأسفار ١ : ٧١.

۴۶۳