عن الإسلام ، سواء أكان عالماً بحرمته أم لم يكن بل وسواء كانت الحرمة ضرورية أم غير ضرورية.

أمّا الطائفة الأُولى فقد أسلفنا الجواب عنها سابقاً وقلنا إن للشرك مراتب متعدّدة وهو غير مستلزم للكفر بجميع مراتبه وإلاّ لزم الحكم بكفر المرائي في عبادته بطريق أولى ، لأن الرياء شرك كما نطقت به الأخبار (١) بل هو أعظم من أن يقال للحصاة إنها نواة أو بالعكس ، مع أنّا لا نقول بكفره لأنّ الشرك الموجب للكفر إنما هو خصوص الشرك في الألوهية. وعليه فلا يمكن في المقام الاستدلال بشي‌ء من الأخبار المتضمنة للشرك.

وأمّا الطائفة الثانية فالظاهر أنها أيضاً كسابقتها لأن ظاهر الجحد هو الإنكار مع العلم بالحال كما في قوله عزّ من قائل ﴿ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ (٢) وقد عرفت أن إنكار أيّ حكم من الأحكام الثابتة في الشريعة المقدسة مع العلم به يستلزمه تكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنكار رسالته سواء كان الحكم ضرورياً أم لم يكن ، ولا ريب أنه يوجب الكفر والارتداد فهو خارج عن محل الكلام ، إذ الكلام إنما هو في أن إنكار الضروري بما أنه كذلك هل يستلزم الكفر والارتداد أو أنه لا يوجب الكفر إلاّ مع العلم بثبوته في الشريعة المقدسة المستلزم لإنكار رسالة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا الطائفة الثالثة وهي العمدة في المقام فعلى تقدير تماميتها لا مناص من الحكم بكفر منكر الضروري مطلقاً وإن لم يكن عن علم بالحكم. وقد يورد على دلالتها كما في كلام شيخنا الهمداني (٣) وغيره بأن الصحيحة بإطلاقها تشمل الأحكام الضرورية وغيرها ، ومقتضى ذلك هو الحكم بكفر كل من ارتكب كبيرة وزعم أنها حلال ، وهو مما لا يمكن الالتزام به ، كيف ولازمه أن يكفّر كل مجتهد المجتهد الآخر فيما إذا اعتقد حلية ما يرى الأوّل حرمته وارتكبه ، كما إذا بنى أحدهما على حرمة التصوير‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٦٧ / أبواب مقدمة العبادات ب ١١ ح ١١ ، ١٣ ، ١٦ وب ١٢ ح ٢ ، ٤ ، ٦.

(٢) النمل ٢٧ : ١٤.

(٣) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٥٦٦ السطر ٢٤.

۴۶۳