ثم إنّ هذه المسألة وغيرها مما يذكره الماتن في المقام وما يتعرض له في بحث الصلاة من دوران الأمر بين الإتيان بجزء أو جزء آخر أو بين شرط وشرط آخر أو عدم مانع وعدم مانع آخر أو بين شرط وجزء وهكذا ، كلها من واد واحد وهي عند المشهور بأجمعها من باب التزاحم ، لوجوب كل واحد من الأمرين في نفسه وعدم تمكن المكلف من امتثالهما معاً بحيث لو قدر عليهما وجبا في حقه وللعجز عن امتثالهما وقعت المزاحمة بينهما ، ومن هنا رجعوا في تمييز ما هو المتعين منهما إلى مرجحات باب التزاحم كالترجيح بالأهمية واحتمالها وبالأسبقية بالوجود.

إلاّ أنّ الصحيح أنّ الموارد المذكورة خارجة عن كبرى التزاحم ومندرجة في التعارض. بيان ذلك : أنّ الميزان في تعارض الدليلين تكاذبهما وتنافيهما في مقام الجعل والتشريع مع قطع النظر عن مرحلة الفعلية والامتثال ، بأن يستحيل جعلهما وتشريعهما لاستلزامه التعبد بالضدين أو النقيضين في مورد واحد كما دلّ على وجوب القصر في من سافر أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه وما دلّ على وجوب التمام فيه ، وذلك للقطع بعدم وجوب صلاة واحدة في يوم واحد قصراً وإتماماً ، وكما دلّ على إباحة شي‌ء وما دلّ على وجوبه أو على عدم إباحته ، فإن تشريع مثلهما مستلزم للجمع بين الضدين أو النقيضين والتعبد بهما أمر غير معقول ، فصدق كل منهما يدل على كذب الآخر ولو بالالتزام. وهذا هو الميزان الكلي في تعارض الدليلين بلا فرق في ذلك بين القول بتبعيّة الأحكام الشرعية للمصالح والمفاسد في متعلقاتها أو في جعلها كما التزم به العدلية والقول بعدم تبعيتها لهما ، لأنّا قلنا بذلك أم لم نقل يستحيل الجمع بين الضدّين أو النقيضين بحسب الجعل والتشريع ، فما عن صاحب الكفاية قدس‌سره من أن ميزان التعارض أن لا يكون لكلا الحكمين مقتض وملاك بل كان المقتضي لأحدهما (١) فما لا وجه له ، لما مر من أن القول بوجود الملاك في الأحكام وعدمه أجنبيان عن بابي المعارضة والمزاحمة ، بل المدار في التعارض عدم إمكان الجمع بين الحكمين في مرحلة الجعل والتشريع كما مرّ ، هذا.

__________________

(١) كفاية الأُصول : ١٥٥.

۴۶۳