ولا يخفى فساد ما ذهب إليه وذلك لمنافاته لإطلاقات أدلة نجاسة الكلب والخنزير حيث دلت على نجاستهما بما لهما من الأجزاء من غير فرق في ذلك بين ما تحله الحياة وما لا تحله الحياة ، ودعوى الإجماع على طهارة ما لا تحله الحياة من أجزائهما جزافية ، بل الإجماع منعقد على خلافه ، وإنكار أن ما لا تحله الحياة جزء من الحيوان مكابرة ، كيف وهو معدود من أجزائه عند العرف والشرع واللغة.

وأما ما نسب إليه من الاستدلال على ذلك بأن ما لا تحله الحياة من أجزائهما نظير شعر الميتة وعظمها وغيرهما مما لا تحله الحياة فيدفعه : أنه قياس والعمل بالقياس منهي عنه في الشريعة المقدسة. هذا على أنه قياس مع الفارق ، لوضوح أن نجاسة الكلب والخنزير نجاسة ذاتية وغير مستندة إلى موتهما ونجاسة الميتة عرضية مستندة إلى الموت مع الحكم بطهارتها قبله ، والموت إنما يعرض الأجزاء التي تحلها الحياة دون ما لا تحله ، ومعه لا وجه لنجاسة ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة ، فما ذهب إليه علم الهدى وجده مما لا دليل عليه.

نعم ، هناك جملة من الأخبار لا تخلو عن الإشعار بطهارة شعر الخنزير وجلده وكان ينبغي له قدس‌سره أن يستدل بها على مسلكه.

منها : صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال : لا بأس » (١) والجواب عن ذلك أنه لا دلالة لها على طهارة شعر الخنزير بوجه لعدم فرض العلم بملاقاته لماء الدلو أوّلاً ، لجواز أن يتخلل بينه وبين الدلو حبل طاهر ، ولعل السؤال في الرواية من جهة احتمال حرمة الاستقاء للوضوء بحبل من شعر الخنزير لاحتمال حرمة الانتفاع بشعره شرعاً ، وبما أن الوضوء أمر عبادي فيكون الاستقاء له بما هو مبغوض للشارع موجباً لحرمته ، فنفيه عليه‌السلام البأس راجع إلى نفي حرمة الانتفاع به لا إلى نفي نجاسة الماء.

وثانياً : أنّ الرواية على تقدير دلالتها فإنما تدل على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٧٠ / أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

۴۶۳