هذا كلّه في ورق المصحف ، ومنه يظهر الحال في جلده وغلافه فان الكلام فيهما هو الكلام في ورقه ، لأن الجلد والغلاف قد اكتسبا الشرافة والحرمة باضافتهما إلى الكتاب نظير الخشبة والحديد والفضة والذهب حيث صارت متبركة بإضافتها إلى أحد الأئمة عليهم‌السلام. وأما خط المصحف فعن شيخنا الأنصاري قدس‌سره الاستدلال على وجوب إزالة النجاسة عنه بفحوى حرمة مسّ المحدث له (١). وفيه : أن الأحكام الشرعية مما لا سبيل إلى العلم بملاكاتها فمن المحتمل أن يكون لحرمة مسّ المحدث ملاك يخصّها ، ولا يكون ذلك الملاك موجوداً في مس غيره وإن كان موجباً لتنجيس الخط أو غيره فلا تلازم بينهما. على أن الأولوية والفحوى في كلامه بدعوى أنه إذا حرم مسّ المحدث الخطوط من دون أن تتأثر بذلك ، فإنّ الحدث لا يسري من المحدث إلى غيره فلا محالة يحرم تنجيسها بالأولوية القطعية ، حيث إنه يؤثر في الخطوط وينجسها لو تمت فإنما تتم بالإضافة إلى حرمة التنجيس فحسب ، وأما وجوب الإزالة فلا ربط له بحرمة مس المحدث بوجه ، والاستدلال على وجوبها بفحوى حرمة مس المحدث الكتاب من غرائب الكلام.

ثم إنّ قوله عزّ من قائل ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٢) لا يستفاد منه حكم المسألة فضلاً أن يدل عليه بالأولوية ، وذلك أما أولاً : فلأن المطهر غير المتطهر حيث إن الثاني ظاهر في من تطهر من الحدث بالوضوء أو الغسل أو من الخبث بغسله ، وأما المطهر فهو عبارة عمن طهره الله سبحانه من الزلل والخطأ وأذهب عنه كل رجس ، والمذكور في الآية المباركة هو المطهر دون المتطهر ففيها إشارة إلى قوله سبحانه ﴿ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣) فمعنى الآية على هذا أن مس الكتاب الذي هو كناية عن دركه بما له من البواطن لا يتيسّر لغير الأئمة المطهّرين فانّ غير من طهّره الله سبحانه لا يصل من الكتاب إلاّ إلى ظواهره. فالآية المباركة‌

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٣٦٩ ( باب وجوب إزالة النجاسة عن المسجد ) السطر ٣٠.

(٢) الواقعة ٥٦ : ٧٩.

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

۴۶۳