الجهة الثانية : في أن حفر المسجد أو تخريبه إذا قلنا بجوازه فهل يجب طمّ الحفر وتعمير الخراب منه؟ نصّ الماتن بعدم وجوبهما وهو الحق الصريح ، وهذا لا لما قيل من أن الحفر والتخريب إنما صدرا لمصلحة المسجد وتطهيره ، والتصرف فيما يرجع إلى الغير إذا كان لمصلحة الغير لا يستتبع الضمان ، فإنه لم يثبت على كبرويته. مثلاً إذا توقف إنجاء نفس محترمة من الحرق أو الغرق على تخريب دارها ، فهو وإن كان صدر لمصلحة مالكها الغريق وإنجائه إلاّ أنه إنما لا يستتبع الضمان فيما إذا استند إلى إذن نفسه أو الحاكم أو العدول لأنه من الأُمور الحسبية التي يرضى الشارع بأمثالها ، وأما إذا لم يستند إلى شي‌ء من ذلك بل خربها أحد من قبل نفسه بداعي إنجاء مالكها فالحكم بعدم استلزامه الضمان في نهاية الإشكال.

بل الوجه فيما ذكرناه أن المسجد يمتاز عن بقية الأُمور الموقوفة بأنه تحرير وفك للأرض عن علاقة المملوكية ، فكما أن المملوك من العبيد قد يحرّر لوجه الله فلا يدخل بعد ذلك في ملك مالك ، كذلك المملوك من الأراضي قد يحرّر ويفك عن الملكية لوجه الله فلا تثبت عليها علاقة مالك أبداً ، والدليل الدال على الضمان إنما أثبته في التصرف في مال أحد وإتلافه ، وأما إتلاف ما ليس بمال لأحد فلم يدل دليل على ضمانه بالتصرف فيه. ومن هنا نفرّق بين المسجد وأدواته وآلاته من الحصر والفرش وغيرهما ، لأنها إما أن تكون ملكاً للمسلمين حيث وقفت لهم حتى ينتفعوا بها في صلاتهم وعبادتهم ، وإما أنها ملك للمسجد وموقوفة له ولا مانع من تمليك المسجد ونحوه من غير ذوي الشعور وإن كان الأول أقرب إلى الأذهان ، فإن المسجد لا يحتاج إلى شي‌ء من الآلات والأدوات وإنما يحتاج إليها المسلمون في عباداتهم وصلواتهم في المسجد. وكيف كان ، فهي مملوكة للغير على كلا الفرضين فالتصرف فيها يستتبع الضمان.

الجهة الثالثة : أن الآجر ونحوه مما يمكن رده إلى المسجد بعد تطهيره هل يجب ردّه إليه؟ حكم الماتن قدس‌سره بوجوبه وهو الصحيح ، وهذا لا لما ورد في بعض الأخبار من الأمر بوجوب ردّ الحصاة أو التراب المأخوذين من المسجد أو البيت‌

۴۶۳