تشريعي ، وعليه فالحكم بنجاسة الملاقي إنما يترتب على الملاقاة الخارجية وعلى نجاسة ما لاقاه ترتّب الحكم على موضوعه لا ترتّب المعلول على علّته ، ومعه لا يضر بالاستصحاب العلم بنجاسة الملاقي قبل أن يلاقي ما حكم بنجاسته بالتعبد على تقدير نجاسته واقعاً ، وذلك كما إذا علمنا بطهارة جسم بعينه وبنجاسة جسم آخر كذلك ثم علمنا إجمالاً بعدم بقائهما على ما كانا عليه فاما أن الجسم الطاهر قد تنجس أو أن النجس قد طهر فإنه حينئذ لا إشكال في جريان الاستصحاب في كل منهما فيحكم بطهارة ما كان طاهراً وبنجاسة ما كان نجساً ، ثم إذا لاقى الجسم المحكوم بطهارته ما حكم بنجاسته فلا ينبغي الشك في الحكم بنجاسته ، مع أنّا نعلم أنه لم يتنجس من قِبَل هذه الملاقاة إذ المفروض أنّا نعلم أنه إما كان نجساً قبل الملاقاة أو أن ما لاقاه طاهر ، وليس ذلك إلاّ من جهة ما ذكرناه من أنه لا تأثير ولا تأثر في الأحكام الشرعية وإنما هي اعتبارات شرعية تترتب على الأُمور الخارجية ترتب الأحكام على موضوعاتها لا ترتّب المعاليل على عللها.

فالمتحصل : أنّ ما ذهب إليه المشهور من التفصيل بين المسلكين والحكم بجريان استصحاب النجاسة على الأول هو الصحيح. هذا كله حسبما تقتضيه القاعدة في نفسها إلاّ أنّا لا نقول باستصحاب النجاسة على كلا المسلكين نظراً إلى النصوص الواردة في المسألة وهي كثيرة : منها ما ورد من نفي البأس عن التوضؤ أو الشرب مما شرب منه باز أو صقر أو نحوهما من جوارح الطيور فيما إذا لم ير في منقارها دم (١). ومنها : ما ورد من نفي البأس عن الصلاة في ثوب وقع عليه الدود من الكنيف إلاّ أن يرى فيه أثر (٢). ومنها غير ذلك من الأخبار ، حيث إن موردها بعينه ما نحن بصدده للقطع بنجاسة الدود قبل خروجه من الكنيف إلاّ أنه عليه‌السلام حكم بطهارته ما دام لم ير فيها عين النجس فالحكم بنجاسته منوط برؤية العين فيه ، وأما مع الشك في بقائها على الحيوان وعدمه فلا بدّ من الحكم بطهارته ، لأنّ الاستصحاب إنما يقوم مقام العلم بما أنه علم كاشف ولا يقوم مقام الرؤية التي هي بمعنى العلم الوجداني‌

__________________

(١) كموثقة عمّار المرويّة في الوسائل ١ : ٢٣٠ / أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢ ، ٤.

(٢) وهو صحيحة علي بن جعفر المرويّة في الوسائل ٣ : ٥٢٦ / أبواب النجاسات ب ٨٠ ح ١.

۴۶۳