وأما الرواية الأُولى والثانية فهما أيضاً ضعيفتان ، أما بحسب السند فلأنّ حال إسنادهما غير واضح حيث لم يذكر السند فيهما بتمامه. ودعوى انجبارهما بشهرة الفتوى بمضمونهما بين القدماء ، مدفوعة صغرى وكبرى ، أما بحسب الكبرى فلما مرّ غير مرّة من أن الشهرة لا يمكن أن تكون جابرة لضعف الرواية كما أن إعراضهم عن رواية لا يكون كاسراً لاعتبارها ، وأما بحسب الصغرى فلما قدّمنا نقله عن الحلي قدس‌سره وهو من الأعلام المحقِّقين من أن من ذهب إلى نجاسة عرق الجنب من الحرام في كتاب ذهب إلى طهارته في كتاب آخر (١).

فالمشهور حينئذ هو طهارة العرق دون نجاسته فكيف يتوهّم أنهم اعتمدوا في الحكم بنجاسته إلى هاتين الروايتين. على أنّ اشتهار الفتوى بنجاسته لو سلم أيضاً لا يكاد يجدي في المقام ، لأنّ الشهرة التي يدعى أنها جابرة أو كاسرة إنما هي الشهرة في مقابل النادر لا الشهرة في مقابل شهرة اخرى مثلها كما في المقام.

وأما بحسب الدلالة فلأنّ الروايتين إنما تدلاّن على المنع من الصلاة في ثوب أصابه عرق الجنب من الحرام ولا دلالة له على نجاسته لأنه لازم أعم للنجاسة كما مر ، ومما يبعّد نجاسة عرق الجنب من الحرام أو مانعيّته عن الصلاة أنّ السؤال في الأخبار المتقدِّمة إنما هو عن عرق الجنب ولم يقع السؤال عن عرق الجنب من الحرام ، وهذا كاشف عن عدم معهوديّة نجاسته إلى زمان العسكري عليه‌السلام ، والتفصيل في نجاسته أو مانعيّته بين كون الجنابة من الحلال وبين كونها من الحرام إنما صدر منه عليه‌السلام مع أن من البعيد أن تخفى نجاسته أو مانعيّته عند المسلمين إلى عصر العسكري عليه‌السلام لكثرة ابتلائهم به في تلك الأزمنة ، لكثرة الفجرة من السلاطين والأُمراء وبالأخص إذا عممنا الحرام إلى الحرام بالعرض كوطء الزوجة أيام حيضها أو في نهار شهر رمضان.

كيف وقد ورد في جملة من الأخبار عدم البأس بعرق الجنب وأن الثوب والعرق لا يجنبان (٢) ، فلو كان عرق الجنب من الحرام نجساً أو مانعاً عن الصلاة لورد ما يدلّنا‌

__________________

(١) تقدّم في ص ١٣٠.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٤٥ / أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١ ، ٣ ، ٥ ، ٦ ، ٩.

۴۶۳