تدركه الابصار أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل» (١).
وبالجملة أن الإبصار لا يمكن إلّا إذا كان المبصر محدودا وفي جهة وهو لا يناسب الربّ تعالى لأنه غير محدود ولا يتناهى وهكذا ما يتخيله الإنسان وإن كان مجردا عن المادة ولكنه متقدر بالأبعاد والأشكال ، ومع التقدر المذكور يكون محدودا بحدود الأبعاد والأشكال ، فكيف يمكن للإنسان أن يتخيل المبدأ المتعالي الذي لا يكون محدودا بحد أو بعد ، فلذلك لا تناله يد البصر والوهم ، بل العقل عاجز عن درك حقيقته وكنهه إذ لا ماهية ولا جنس ولا فصل له حتى يتعقلها ويعرفه بها ذاته وكنهه ، بل يعرفه العقل بعون المفاهيم المنتزعة عن ذاته مع سلب مماثلة شيء به تعالى ، ويقال عند توصيفه : أنه موجود وحي وعالم وقادر وليس كمثله شيء ، أو أنه ليس بمحدود ، أو ليس بمتناه ، فالعقل عاجز عن درك كنهه ، ولكن له أن يعرفه بالمفاهيم المذكورة مع سلب خصائص الممكنات عنه (٢).
قال ابن ميثم البحراني : «إن ذات الله تعالى لما كان برية عن أنحاء التركيب ، لم يكن معرفته ممكنة إلّا بحسب رسوم ناقصة تتركب من سلوب وإضافات تلزم ذاته المقدسة لزوما عقليا» (٣) فافهم. ومما ذكر يظهر المراد من قول مولانا أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ في نهج البلاغة : «لم يطلع العقول على تحديد صفته ولم يحجبها عن واجب معرفته» (٤).
ثم هنا سؤال وهو : أن الرؤية إذا كانت غير ممكنة فكيف روي عن علي ـ عليهالسلام ـ أنه قال في جواب من قال له : هل رأيت ربك؟ : «لم أكن
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٣ ص ١٥.
(٢) راجع اصول فلسفه : ج ٥ ص ١٤٤ ـ ١٤٥.
(٣) شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني : ج ١ ص ١٢١.
(٤) الخطبة : ٤٩.