وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ» (١). حيث أفادت الآية الكريمة أن لكل جامعة من الجوامع البشرية نذيرا. نعم ، القدر المتيقن منها ، هي الجامعة التي لا يمكن لهم الارتباط بالجامعة الاخرى ، بحيث لو اكتفى بارسال الرسول في غيرها لا يبلغهم دعوة النبي المرسل ، ولا يمكنهم الاطلاع من دعوته.
وعليه فنعلم بشمول دعوة الرسل لجميع أقطار الأرض وأدوار التأريخ ، وإن لم نعلم تفصيل ذلك فانقدح مما ذكر أن دعوى عدم شمولها لبعض القارات كقارة أمريكا مجازفة.
ولقد أفاد وأجاد الإمام البلاغي ـ قدسسره ـ في الجواب عمن أنكر شمول دعوة الأنبياء لبعض القارات بقوله :
«ما كنت أظن أحدا يقدم على هذه الدعوى النافية بالكلية إلّا أن يستند فيها إلى إخبار نبوي ، أو يدعي النبوة ، أو أنه إله متجسد ، فإن دعوى العلم بمثل هذا النفي ، لا يكفي فيها الجهل ، فما هي الحجة القاطعة على هذه الدعوى الكبيرة؟ ولا يحسن التشبث لها بخلو التوراة الرائجة من ذكر أمريكا ونبواتها ، وذلك لجواز أن لا تكون أمريكا مسكونة في زمان موسى ، بل اتفق العبور إليها من جزائر اليابان أو من بوغاز بيرين أو غير ذلك ، كما ذكر عبور جماعة من «ايسلاند» إلى «كرينلاند» من أمريكا في القرن الثامن أو التاسع للمسيح ، أو لأن ذكر أمريكا ونبواتها لم يدخل في حكمة التوراة الأصلية ـ إلى أن قال ـ : ولا يمكن التشبث بخلو القرآن الكريم من ذلك ، فإن التصريح بذكر أمريكا ونبواتها مما ينافي حكمة القرآن الكريم ومداراته لجهل الناس ، ولكنه بعد أن ذكر الرسل قال في سورة النساء المدنية الآية ١٦٢ : ﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ كما قال في سورة المؤمن المكية الآية ٧٨ : «وَلَقَدْ
__________________
(١) فاطر : ٢٤.