والخلاصة أن الصحيح في الاعتقاد أن نقول : إنه تعالى لا مصلحة له ولا منفعة في تكليفنا بالواجبات ونهينا عن فعل ما حرمه ، بل المصلحة والمنفعة ترجع لنا في جميع التكاليف. ولا معنى لنفي المصالح والمفاسد في الأفعال المأمور بها والمنهي عنها ، فإنه تعالى لا يأمر عبثا ولا ينهى جزافا وهو الغني عن عباده (٢).
مضى تحقيقه ، وهو أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب ، وقد عرفت فيما مضى أن الدليل عليه أمران : أحدهما : أنه مقتضى اطلاق كماله ورحمته ورحمانيته تعالى ، وثانيهما : أنه مقتضى حكم العقل بالحسن والقبح الذاتي. أشار المصنف إلى الوجه الأول في السابق ، وإلى الثاني هنا ، وكيف كان فقد مر البحث عنه ولا حاجة إلى إعادة الكلام ، وعليه كما أن أصل التكليف مما يقتضيه لطفه ورحمانيته ، كذلك تطبيق التكليف ، مع ما في الأفعال من المصالح والمفاسد ، فالمصلحة الراجحة لا تقتضي الوجوب ، بل الندب ، والمصلحة الملزمة تقتضي الوجوب لا الندب ، والمفسدة الملزمة تقتضي النهي التحريمي لا التنزيهي ، والمفسدة الغير الملزمة لا تقتضي إلّا النهي التنزيهي ، ولا يمكن سلوك الإنسان نحو كماله وسعادته إلّا إذا كلف بما تقتضيه الأفعال من المصالح والمفاسد ، والاخلال به ينافي لطفه ورحمته ، كما أنه ينافي حكمته ؛ لأن الحكمة في خلقة الإنسان هو امكان أن يسلك نحو كماله ، فإذا كلف بما لا يطابق مقتضى الأفعال ، فلا يمكن له ذلك. هذا مضافا إلى منافاته مع عدله فيما إذا كلف بما زاد أو نقص عن الحد اللازم الذي يستحقه المكلف كما لا يخفى.
(٢) حاصله أن التكاليف حيث لا تصدر عنه تعالى جزافا ، فلا تكون إلّا ناشئة عن المصالح والمفاسد ، ولكن المصالح والمفاسد ترجع إلينا لا إليه تعالى ؛