وقريب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة ، بشريعة نبينا ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبينا ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ (٤).


(٤) ولا يخفى عليك أن النسخ حقيقة هو ارتفاع الحكم بانقضاء زمانه وأمده فإن الحكم المجعول في موارد النسخ مقيد في الواقع بزمان خاص معلوم عند الله ومجهول عند الناس ، إذ لا يعلمونه إلّا بعد إعلام ارتفاعه ، وعليه فلا يرد على النسخ ما ربما يقال من أن النسخ يستلزم عدم حكمة الناسخ ، أو جهله بوجه الحكمة ، وكلا هذين اللازمين يستحيل في حقه تعالى ، وذلك لأن تشريع الحكم من الحكيم المطلق لا بد وأن يكون على طبق مصلحة تقتضيه ؛ لأن الحكم الجزافي ينافي حكمة جاعله ، وعلى ذلك فرفع هذا الحكم الثابت لموضوعه ، إما أن يكون مع بقاء الحال على ما هو عليه من وجه المصلحة وعلم ناسخه بها ، وهذا ينافي حكمة الجاعل ، مع أنه حكيم مطلق ، وإما أن يكون من جهة البداء وكشف الخلاف على ما هو الغالب في الأحكام والقوانين العرفية ، وهو يستلزم الجهل منه تعالى ، وعلى ذلك فيكون وقوع النسخ في الشريعة محالا ؛ لأنه يستلزم المحال انتهى.

وذلك لما عرفت من أن الحكم كان في الواقع محدودا ومعلوما لله تعالى ، فإذا تم وقته أخبر عن ارتفاعه ، فلا ينافي الحكمة ، كما لا يستلزم الجهل ، بل ادامته مع خلوه عن المصلحة ، تنافي الحكمة.

ثم إن النسخ يقرب البداء وليس عنه ؛ لأن في البداء مقتضيات الشيء موجودة ، ولكن في النسخ لا مقتضي لوجود الحكم بحسب الواقع ، بعد انقضاء أمد الحكم. نعم يكون المقتضي الاثباتي من اطلاق الأدلة موجودا ، وباعتباره كان النسخ قريبا من البداء بالمعنى الممكن ، وهو ظهور شيء منه ، على خلاف

۳۲۰۱