أبا جعفر عمل في هذا الباب على أحاديث شواذ ، لها وجوه يعرفها العلماء متى صحت وثبتت أسنادها ، ولم يقل فيه قولا محصلا» (١) نعم رواه السيد في نهج البلاغة أيضا أنه قال ـ وقد سئل عن القدر ـ : «طريق مظلم فلا تسلكوه ، وبحر عميق فلا تلجوه ، وسر الله فلا تتكلفوه» (٢) فافهم.

وثانيا : بأن دلالتها على الحرمة التكليفية غير واضحة ؛ لأن لحن جملة منها هو لحن الارشاد كالنهي عن التكلف ، والأخبار بأن القضاء والقدر واد مظلم وبحر عميق. هذا ، مضافا إلى شهادة ذيل الرواية الثانية على أن المنهي عنه هو السعي للاطلاق على كنه المقدرات والاشراف عليها ، ومن المعلوم أنه أمر لا يناله الإنسان نيلا كاملا ، ولا مصلحة فيه ، بل لا يخلو عن المفسدة كما لا يخفى فكما أن التأمل حول كنه ذاته تعالى ممنوع ، كذلك التأمل حول كنه المقدرات ممنوع ؛ لأنه فوق مستوى مقدور البشر ولا يزيده إلّا الحيرة والفساد ، وأما فهم معنى القضاء والقدر فلا يكون موردا للنهي فيها.

وثالثا : بأن الغور في معنى القضاء والقدر لو كان حراما ، لما أجاب الائمة ـ عليهم‌السلام ـ عن السؤال فيه ، مع أنهم أجابوا السائلين وأوضحوا المراد منهما ، بل قد يكون الجواب في ذيل النهي المذكور ، بعد اصرار السائل عن فهم معناه ، كما في الرواية الاولى ، حيث قال السائل في المرتبة الرابعة : «يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر ، قال : فقال أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : أما إذا أبيت فإني سائلك : أخبرني أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله؟ قال : فقال له الرجل : بل كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد» (٣) إلى أخر ما قال ـ عليه‌السلام ـ في توضيح المراد منهما فراجع.

__________________

(١) تصحيح الاعتقاد : ص ١٩.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥ ص ١٢٤.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥ ص ١١١.

۳۲۰۱