واعتقادنا في ذلك تبع لما جاء عن أئمتنا الأطهار ـ عليهم‌السلام ـ من الأمر بين الأمرين والطريق الوسط بين القولين الذي كان يعجز عن فهمه أمثال اولئك المجادلين من أهل الكلام ففرّط منهم قوم وأفرط آخرون ولم يكتشفه العلم والفلسفة إلّا بعد عدة قرون (٣) وليس من الغريب ممن لم يطلع على حكمة الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ وأقوالهم أن يحسب أن هذا القول وهو الأمر بين الأمرين من مكتشفات بعض فلاسفة الغرب المتأخرين ، وقد سبقه إليه أئمتنا قبل عشرة قرون.


نفي الخلق بدون وساطة القدرة والاختيار ، كما يقتضيه خطاب الشارح للأشعري ، وبالجملة : إن النظام السببي والمسبي في العالم مستند إليه تعالى ، ومن جملته الأفعال المسببة عن العباد باختيارهم ، فكما لا معنى للتفويض في سائر الأسباب لحاجتها إليه تعالى في الوجود والبقاء والتأثير ، كذلك لا معنى له في سببية الإنسان للأعمال مع كونه ممكنا من الممكنات. هذا تمام الكلام في التفويض.

(٣) قال الاستاذ الشهيد المطهري ـ قدس‌سره ـ ما حاصله : «إن هذا النظر ـ أي الأمر بين الأمرين ـ ابتدأ به من ناحية أئمة الدين ـ عليهم‌السلام ـ ثم بعد مضي مدة من الزمن نظر حوله وتأمل فيه الحكماء الإلهيون حق التأمل ، فرأوه مطابقا للموازين الدقيقة العقلية المنطقية» (١).

وقال في موضع آخر ما حاصله : «إن الذي يوجب كثرة الاعجاب للمحقق العارف بمسائل التوحيد ، هو المنطق الخاص الذي يسلكه القرآن والسنة المروية عن رسول الله والأئمة الأطهار ـ صلوات الله عليهم ـ حول مسائل

__________________

(١) اصول فلسفه : ج ٣ ص ١٦٩.

۳۲۰۱