ونعتقد أنه تعالى لا بد أن يكلف عباده ، ويسن لهم الشرائع ، وما فيه صلاحهم وخيرهم ، ليدلهم على طرق الخير والسعادة الدائمة ، ويرشدهم إلى ما فيه الصلاح ، ويزجرهم عما فيه الفساد والضرر عليهم وسوء


للأخذ بالبراءة العقلية من قبح العقاب بلا بيان ، فإن البيان موجود ، وإنما هو لم يرجع إليه ، ولذا لم تقبح مؤاخذة الجاهل المذكور في الصورتين بالأدلة الأربعة المذكورة ، التي أشار إليها الشيخ ـ قدس‌سره ـ وهذا كلام حسن ، وإن كان في التمسك بالاجماع مع وجود الدليل العقلي والشرعي مناقشة ؛ لأنه من المحتمل أن يكون مستندهم هو الدليل العقلي ، أو الشرعي ، فلا يكشف عن شيء آخر.

ثم إن الظاهر من بعض الأدلة المذكورة ، سيما الأدلة الدالة على مؤاخذة الجهال ، أن السؤال والعقاب على ترك الواقع لا على ترك التعلم ، ولذا قال في الحديث : «هلا تعلمت حتى تعمل؟» وإليه أشار الشيخ ـ قدس‌سره ـ حيث قال : «لكن الانصاف ظهور أدلة وجوب العلم في كونه واجبا غيريا ، مضافا إلى ما عرفت من الأخبار في الوجه الثالث ، الظاهرة في المؤاخذة على نفس المخالفة ، انتهى» (١).

وعليه فما ذهب إليه صاحب المدارك ومن تبعه ، من أن العلم واجب نفسي ، والعقاب على تركه من حيث هو لا من حيث افضائه إلى المعصية ، أعني ترك الواجبات ، وفعل المحرمات المجهولة تفصيلا مشكل ، بل غير صحيح ، فلا يعاقب من خالف الواقع إلّا عقوبة واحدة على مخالفة الواقع ، ومما ذكر يظهر ما في ظاهر عبارة المصنف حيث جعل أن العقاب على تقصير الجاهل المقصر في ترك التعلم ، لا على ترك الواقع ، فتدبر جيدا.

__________________

(١) فرائد الاصول : ص ٣٠٣.

۳۲۰۱