وجود شيء وفرضنا أنه لم يحصل بسببه نقص في شيء من الاشياء أصلا فلا شك في أن وجوده خير فانه خير بالنسبة إلى نفسه وليس فيه شر بالنسبة إلى شيء من الاشياء ، فعلم من ذلك أن الشر بالذات هو العدم والوجود انما يصير شرا باعتبار استلزامه له» (١).
فعلم ممّا ذكر أن الشر على قسمين : أحدهما : هو الشر بالذات وبالحقيقة ، وهو ليس إلّا الامور العدمية التي لها شأنية الوجود ، ولكن اختلت علتها بمفادة علة أقوى معها بحيث يمنعها عن التأثير فهذه الامور معدومة بعدم علتها ، وثانيهما :
هو الشر بالعرض وبالإضافة ، وهو ليس إلّا ما يؤدي إلى العدم ، وعليه فليس بين الموجودات شر مطلق ، وإنما الموجود هو الشر بالعرض وهو ما يؤدي إلى الشر بالذات ، والشر بالذات ليس بمجعول ؛ لأنه معدوم بعدم علته ، نعم هو مجعول مجازا بجعل الشر بالعرض ؛ اذ الشر بالعرض أمر وجودي مجعول ملازم للشر الذي يكون أمرا عدميا.
ثم إن المراد من الأداء والسببية الذي قد يعبر عنه ب «الشر بالعرض» هو المقارنة لا السببية الاصطلاحية ؛ لأنه مع الوجود الذي يؤدي إلى الشر ، تختل علة الخير بوجود المانع ، فإن العلة علة ما لم يكن مانع عن تأثيرها ، فإذا وجد المانع عنه فلا تأثير لها ، بل سقطت عن تمامية العلية ، ومع عدم تأثيرها لا وجود للمعلول أو لا وجود لكماله ، فعدم وجود المعلول أو عدم كماله مستند إلى اختلال علته ، وهو من جهة عروض المانع. مثلا صحة الإنسان معلولة لاعتدال مزاجه ، فإذا وجدت الميكروبات اختل الاعتدال بوجود المانع وفقدت الصحة باختلال الاعتدال ، فعدم صحة البدن مستند إلى عدم علتها لا إلى الميكروبات إلّا بالعرض والمجاز ، وباعتبار أن اختلال علة الصحة بوجود الميكروبات ، ومن
__________________
(١) درر الفوائد : ج ١ ص ٤٥٧.