الكل أعظم من الجزء ، وكأنهم ظنوا أن كل ما حكم به العقل فهو من الضروريات مع أن قضية الحسن والقبح من المشهورات بالمعنى الأخص ، ومن قسم المحمودات خاصة ، والحاكم بها هو العقل العملي ، وقضية الكل أعظم من الجزء من الضروريات الأولية ، والحاكم بها هو العقل النظري ، وقد تقدم الفرق بين العقلين ، كما تقدم الفرق بين المشهورات والضروريات ، فكان قياسهم قياسا مع الفارق العظيم ، والتفاوت واقع بينهما لا محالة ، ولا يضر هذا في كون الحسن والقبح عقليين ، فإنه اختلط عليهم معنى العقل الحاكم في مثل هذه القضايا ، فظنوه شيئا واحدا كما لم يفرقوا بين المشهورات واليقينيات ، فحسبوهما شيئا واحدا مع أنهما قسمان متقابلان (١).
وزاد في الاصول بأن الفارق بين المشهورات والأوليات من وجوه ثلاثة :
الأول ـ أن الحاكم في قضايا التأديبات ، العقل العملي ، والحاكم في الأوليات العقل النظري.
الثاني ـ أن القضية التأديبية لا واقع لها إلّا تطابق آراء العقلاء ، والأوليات لها واقع خارجي.
الثالث ـ أن القضية التأديبية لا يجب أن يحكم بها كل عاقل لو خلّي ونفسه ، ولم يتأدب بقبولها والاعتراف بها ، كما قال الشيخ الرئيس على ما نقلناه من عبارته فيما سبق في الأمر الثاني ، وليس كذلك القضية الأولية التي يكفي تصور طرفيها في الحكم ، فإنه لا بد أن لا يشذ عاقل في الحكم بها لأول وهلة (٢). وحاصل مختارهم أنهم التزموا بالتغير والتبدل ، في ناحية الحكم ولكن
__________________
(١) كتاب المنطق : ص ٣٢٩ ـ ٣٣١.
(٢) كتاب اصول الفقه : ج ١ و ٢ ص ٢٣١ ـ ٢٣٢ وراجع تعليقة المحقق الاصفهاني قدسسره على الكفاية في مبحث حجية الظن : ج ٢ ص ١٢٤.