كقبح الصدق الضار ، وحسن الكذب النافع ، ومنها ما لا يستقل العقل به فيحتاج إلى الشرع ليكشف عنه كحسن الشرائع وقبح تركها ، والأولان حسنهما وقبحهما عقلي ، والأخير شرعي ، بمعنى أنه كاشف.
والحسن العقلي ما لا يستحق فاعل الفعل الموصوف به ذما ، ويدخل تحته الواجب العقلي ، والمندوب ، والمباح ، والمكروه ، والقبيح العقلي ما يستحق فاعله به الذم وهو الحرام لا غير ، والحسن الشرعي ما لا يستحق به العقاب ، والقبيح ما يستحق به ، وبإزاء القبح الوجوب وهو ما يستحق تارك الفعل الموصوف به الذم والعقاب ، فالأول عقلي والأخير شرعي ، واحتجوا بأن الضرورة قاضية بقبح الظلم وحسن العدل ، ولأنهما لو كانا شرعيين ، لجاز إظهار المعجزة على يد الكذاب ، فينتفي الفرق بين النبي والمتنبي ، ولأنهما لو كانا شرعيين لما قبح من الله شيء فجاز الخلف في وعده ووعيده ، وانتفت فائدة التكليف ، ولأنهما لو كانا شرعيين لم تجب المعرفة ولا النظر عقلا ، فيلزم إفحام الأنبياء ، قالوا : ويمتنع من الله تعالى أن يفعل قبيحا أو يخل بواجب ؛ لأنّ حكمته تنافي ذلك فإن فاعل القبيح والمخل بالواجب ، إما أن يفعل ذلك مع علمه أو لا ، والثاني جهل ، والله تعالى منزه عنه ، والأول يلزم منه إما الحاجة أو السفه ، وهما هما منتفيان عنه تعالى.
اعترضت الأشاعرة بأن القبيح لو كان عقليا ، لما اختلف حكمه ، ولما جاز زواله ، والتالي باطل فالمقدم مثله ، بيان الشرطية : إن الأحكام الضرورية لا يمكن تغيرها ، وأن كون الكل أعظم من الجزء ، لا يمكن زوال الحكم به بسبب أصلا ، وبيان انتفاء التالي ، أن الكذب قد يستحسن إذا اشتمل على مصلحة عامة ، ولو كان قبحه بديهيا لما زال.
والجواب المنع من زواله فإن هذا الكذب حسن ، لا باعتبار كونه كذبا ، بل باعتبار اشتماله على المصلحة ، وقبحه من حيث هو كذب لا يزول. ويتعين ارتكاب الحسن الكثير ، وإن اشتمل على قبح يسير ، كما أن من توسط أرضا