إلى أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الحسن. إذ تقبيح الحق وعدم إعطاء كل ذي حق حقه ظلم وقبيح ، كما أن وضع الشيء في غير محله عبث وقبيح ، فمن لا يفعل القبيح ولا يترك الحسن ، يعدل في حقوق الناس ، ويكون حكيما في جميع أفعاله.
ثم الدليل على أنه لا يفعل القبيح ولا يترك الحسن ، هو ما أشار إليه المصنف ـ قدسسره ـ من أنه تعالى محض الكمال وتمامه ، وحاصله أن القبيح لا يناسبه ولا يليق به ، وقاعدة السنخية بين العلة والمعلول ، تقتضي أن لا يصدر منه تعالى إلّا ما يناسب ذاته الكامل والجميل ، وإلّا لزم الخلف في كونه محض الكمال وهو محال ، وأيضا تحقق القبيح والظلم من دون داع وعلة محال ؛ لأن الداعي إلى فعل القبيح ، إما الحاجة أو الإجبار عليه والعجز عن تركه أو الجهل ، بالقبح ، أو العبث ، وكلها منتفية في ذاته تعالى ، بعد وضوح كونه كمالا مطلقا ، وغنيا عن كل شيء ، وقادرا على كل شيء ، وغير مريد إلّا المصلحة ، فتحقق القبيح بعد عدم وجود الداعي والعلة يرجع إلى وجود المعلول بدون العلة ، وهو واضح الاستحالة.
وعليه فلا حاجة في إثبات العدل والحكمة إلى قاعدة التحسين والتقبيح وإن كانت تلك القاعدة صحيحة محكمة ، ويترتب عليها المسائل المهمة الكلامية : كوجوب معرفة المنعم وشكره ، ولزوم البعثة ، وحسن الهداية ، وقبح الإضلال. والمسائل الاصولية : كقبح العقاب بلا بيان ، وقبح عقاب القاصرين ، وقبح تكليف ما لا يطاق وغير ذلك.
ولكن ذهب أكثر علماء الإمامية والمعتزلة إلى الاستدلال بتلك القاعدة لإثبات العدل ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ تقريبها وما قيل أو يقال حولها.
وكيف كان فالاستدلال بما أشار إليه المصنف أولى من الاستدلال بتلك القاعدة ؛ للاختصار ، ولكونه أبعد عن الإشكال والنقض والإبرام ، هذا مضافا