لتعيّن الفرد الحادث والعلم بأنه من أي القبيلين تعبداً ، وتوضيح الكلام في كبرى المسألة وتطبيقها على المقام :

أن المستفاد من قوله عزّ من قائل ﴿ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .﴿ ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (١) أن الوضوء إنما هو وظيفة غير الجنب ، لأنه مقتضى التفصيل الوارد في الآية المباركة ، وكذا الحال في الأخبار لما ورد من أن غسل الجنابة ليس قبله ولا بعده وضوء (٢) فعلمنا من ذلك أن الأدلّة القائمة على وجوب الوضوء للمحدث مقيدة بغير الجنب ، لأن غسل الجنابة لا يبقي مجالاً للوضوء ، وحيث إن المكلف في مفروض المسألة لم يكن متوضئاً قبل خروج الرطوبة المشتبهة وهو شاك في جنابته لاحتمال أن تكون الرطوبة بولاً واقعاً ، فمقتضى الاستصحاب عدم جنابته فهو محدث بالوجدان وليس جنباً بالاستصحاب فيحكم عليه بوجوب الوضوء لتحقق موضوعه بضم الوجدان إلى الأصل ، ومع استصحاب عدم الجنابة لا مجال لاستصحاب كلي الحدث لأنه أصل حاكم رافع للتردد والشك ، فان مقتضاه أن المكلف لم يجنب بخروج البلل وأن حدثه الأصغر باق بحاله.

بل يمكن أن يقال إن الرطوبة المشتبهة ليست بمني ، وذلك ببركة الاستصحاب الجاري في الأعدام الأزلية ، ولا يعارضه استصحاب عدم كونها بولاً ، إذ المكلف محدث بالأصغر على الفرض ولا أثر للبول بعد الحدث حتى ينفى كونها بولاً ، ولا يفرق الحال فيما ذكرناه بين أن يكون الأكبر والأصغر متضادّين أو قلنا إنهما قابلين للاجتماع ، أو أن الأكبر مرتبة قوية من الحدث والأصغر مرتبة ضعيفة ، وذلك لأن مقتضى الأصل عدم حدوث الجنابة وعدم اقتران الحدث الأصغر بالأكبر وعدم تبدله إلى المرتبة القوية من الحدث.

فما أفاده الماتن قدس‌سره من أن المكلف إذا لم يكن متوضئاً وخرجت منه الرطوبة المشتبهة ، لم يبعد جواز الاكتفاء بالوضوء وعدم وجوب الجمع بينه وبين‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٤٦ / أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٢ وغيره.

۵۰۹