اشتبهت القبلة (١)


وإذا كان المدرك هو التسالم والإجماع ، لم يبق دليل على حرمة استقبال القبلة واستدبارها عند التزاحم ، وذلك لأن التسالم لا يقتضي حرمتهما إلاّ في الجملة وفي غير مورد التزاحم ، وأما معه فلا مقتضي لحرمتهما كما هو ظاهر.

(١) قد يتمكن المكلف عند اشتباه القبلة من الاحتياط ، كما إذا دار أمر القبلة بين نقطتين متقابلتين ، لأنه يتمكن حينئذ من البول إلى غيرهما من النقاط ، وكذا إذا دارت بين الجهات الأربع أو الأقل أو الأكثر في نقاط معينة ، بحيث لو تقاطع خطان من تلك النقاط على وجه حصلت منهما زوايا أربع علم بوجود القبلة في منتهى أحد الخطوط الأربعة ، لتمكنه حينئذ من البول إلى غيرها كما إذا بال بين خطين منها.

وقد لا يتمكن من الاحتياط ، كما إذا دار أمر القبلة بين جهات متعددة بحيث احتملنا القبلة في كل نقطة من نقاطها ، فان تمكن من الانتظار إلى أن ينكشف له القبلة لوصوله إلى منزله أو لدخول الليل وظهور الأنجم أو لطلوع الشمس أو غير ذلك مما يستكشف به القبلة تعيّن ، وبقيت حرمة التخلي إلى القبلة أو استدبارها بحالها.

وإن لم يتمكن من الانتظار اندرجت المسألة في كبرى الاضطرار إلى أحد أطراف الشبهة لا بعينه ، وقد بيّنا في محله أن العلم الإجمالي لا يسقط عن التنجيز بالاضطرار (١) لأنه لم يتعلق بمخالفة الحكم الواقعي ، إذ لا اضطرار للمكلف إلى البول مستقبل القبلة أو مستدبراً لها ، وإنما تعلق بارتكاب أحد أطراف الشبهة ، ولا يسقط بذلك سوى وجوب الموافقة القطعية مع بقاء المخالفة القطعية بحرمتها ، وقد ذكرنا في المباحث الأُصولية أن الموافقة القطعية مع التمكن منها في أطراف العلم واجبة والمخالفة القطعية محرمة ، ومع العجز عنها تسقط عن الوجوب وتبقى المخالفة القطعية على حرمتها ، خلافاً لصاحب الكفاية قدس‌سره حيث ذهب إلى سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز بطروء الاضطرار إلى أحد الأطراف لا بعينه (٢).

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٣٨٢.

(٢) كفاية الأُصول : ٣٦٠.

۵۰۹