أما ما احتمله شيخنا الهمداني قدس‌سره فيدفعه أوّلاً : أن المتنجِّس من غير واسطة على ما قدّمنا في محلِّه (١) منجس لما لاقاه وقد دلتنا على ذلك جملة من الأخبار : منها : قوله عليه‌السلام : « وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به ، إن لم يكن أصاب يده شي‌ء من المني » (٢) لأن مفهومه على ما صرح به في الرواية أنه إذا أصاب يده شي‌ء من المني فأدخل يده في الماء ، ففيه بأس.

وثانياً : أن البناء على عدم تنجيس المتنجِّس إنما يقدح في الاستدلال بالأخبار ، وأما السيرة فهي باقية بحالها ، لأن المتشرعة خلفاً عن سلف وفي القرى والأمصار جرت سيرتهم على عدم التجنب عن أبدان الحيوانات وأصوافها وأوبارها وجلودها ، حيث يعاملون معها معاملة الأشياء الطاهرة ، فيلبسونها فيما يشترط فيه الطهارة مع العلم بتنجسها جزماً بدم الولادة حين تولدها من أُمهاتها أو بدم الجرح أو القرح المتكونين في أبدانها ، أو بالمني الخارج منها بالسفاد أو بغير ذلك من الأُمور. والاطمئنان بعدم ملاقاتها للمطهر الشرعي ، لأنها لا تستنجي من البول ولا تسبح في الشطوط ، فهل في قلل الجبال والفلوات نهر أو بحر أو ماء كثير ليحتمل ورودها في تلك المياه ، كيف ولا يوجد في مثل الحجاز شي‌ء من ذلك إلاّ ندرة وإنما يتعيش أهله بمياه الآبار. وأما احتمال اصابة المطر لها ، فيندفع بأن المطر على تقدير إصابته الحيوانات المتنجسة أبدانها فإنّما يصل إلى ظهورها لا إلى بطونها ، فكيف لا يتحرزون عنها ويستعملونها فيما يشترط فيه الطهارة ، فلا وجه له سوى طهارتها بزوال العين عنها.

وأما الاحتمال الثاني فيرده : أن السيرة جرت على عدم غسل الحيوانات مع العلم بنجاستها في زمان ، والعلم عادة بعدم ملاقاتها للمطهر بوجه كما في الحيوانات الأهلية في البيوت ، للقطع بعدم ورود أي مطهر على الهرة من غسلها أو وقوعها في ماء كثير أو إصابة المطر لها ولا سيما في غير أوان المطر ، وعلى ذلك لا يعتبر في الحكم بطهارة‌

__________________

(١) شرح العروة ٣ : ٢٠٤.

(٢) راجع موثقة سماعة المروية في الوسائل ١ : ١٥٤ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٠.

۵۰۹