ثانيها : أن الأخبار المتقدِّمة إنما وردت للدلالة على سقوط استصحاب النجاسة وعدم جريانه في الحيوان غير الآدمي تخصيصاً في أدلته من غير أن تدل على طهارة الحيوان بزوال العين عنه ، وذلك لأنه عليه‌السلام قد علّق نفي البأس عما شرب منه باز أو صقر أو عقاب على ما إذا لم يرَ في منقارها دم ، ومقتضى ذلك أن يكون الحكم بنجاسة بدن الحيوان مختصاً بصورة رؤية النجاسة على بدنه ، ومع عدم رؤيتها وإحساسها لا يجري فيه استصحاب النجاسة ولا يحكم بنجاسته ولا بكونه منجساً لملاقياته ، لاحتمال أن يرد مطهر عليه كشربه من بحر أو نهر أو كر ماء أو إصابة المطر له ، ومن هنا نسب إلى النهاية اختصاص الحكم بطهارة بدن الحيوان بعد زوال العين عنه بما إذا احتمل ورود مطهر عليه (١) فالمدار على ذلك في الحكم بطهارة بدن الحيوان هو احتمال ورود المطهر عليه. وعن بعضهم اعتبار ذلك في الحكم بطهارة بدن الحيوان من باب الاحتياط (٢).

ثالثها : أن الوجه في طهارة سؤر الحيوانات المتقدِّمة عدم تنجسها بشي‌ء ، لا أنها تتنجّس وتطهر بزوال العين عنها ، وذلك لعدم عموم أو إطلاق يدلنا على نجاسة كل جسم لاقى نجساً ، وقولهم : كل ما لاقى نجساً ينجس ، لم يرد في لسان أي دليل ، وإنما عمومه أمر متصيد من ملاحظة الأخبار الواردة في موارد خاصة لعدم احتمال خصوصية في تلك الموارد ، ومع عدم دلالة الدليل عليه لا يمكننا الحكم بنجاسة بدن الحيوان بالملاقاة وإنما النجس هو العين الموجودة عليه. وهذا هو الذي استقربه الماتن قدس‌سره وقال : وعلى هذا فلا وجه لعد زوال العين من المطهرات.

هذه احتمالات ثلاثة وإذا انضمت إلى ما ذهب إليه المشهور من أن الحيوان كغيره يتنجّس بملاقاة النجس إلاّ أن زوال العين عنه مطهر له للسيرة والأخبار المتقدِّمة كانت الوجوه والاحتمالات في المسألة أربعة.

ولا يمكن المساعدة على شي‌ء منها عدا الاحتمال الأخير وهو الذي التزم به المشهور.

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٢٣٩.

(٢) حكاه ( دام ظله ) عن المحقق الورع الميرزا محمد تقي الشيرازي قدس‌سره.

۵۰۹