هو؟ قال : ويلك ، إن الذي ذهبت إليه غلط هو أين الأين وكيف الكيف بلا كيف ، فلا يعرف بالكيفوفية ولا بأينونيّة ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء فقال السائل الملحد : فإذا أنه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس. فقال أبو الحسن ـ عليهالسلام ـ : ويلك لمّا عجزت حواسك عن ادراكه أنكرت ربوبيته ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنّا أنه ربنا بخلاف شيء من الاشياء» (١) ومن جملة شبهاتهم : أنهم يقولون : أن الاعتقاد بالمبدإ ناش عن الوهم لا البرهان ، فإن الموحدين لما رأوا بعض الحوادث ولم يعرفوا عللها الطبيعية اعتقدوا بأنها من ناحية الله ، ولذا كلما كشفت العلل الطبيعية صار هذا الاعتقاد ضعيفا.
مع أنه فاسد ؛ لأن كثيرا من المعتقدين عبر التاريخ لا سيما في عصرنا هذا ، من العالمين بأسرار الطبيعة في الجملة ، ومع ذلك اعتقدوا بالمبدإ المتعال ، وازدادوا في الايمان والاعتقاد بازدياد كشف العلل المذكورة. فالاعتقاد بالمبدإ ليس ناشيا عن الجهل بالأسباب والعوامل ، بل ناش عن النظم المشاهد في العالم أو الإمكان الذي لا يشذ عنه شيء مما سوى الله ، سواء عرفت الأسباب أو لم تعرف ، بل كلما ازدادت المعرفة بها زادتهم ايمانا ، ولا وجه لنسبة استناد الايمان إلى الوهم في جميع المعتقدين والموحدين ، ولو سلم ذلك في شرذمة من المعتقدين فلا يضر بصحة الاعتقاد بالمبدإ بعد كونه مبتنيا على اصول أصلية عقلية ، أو عقلائية في جلهم.
ومن جملة شبهاتهم : أنهم يقولون : إن مقتضى كلية أصل العلية هو أن يكون للمبدإ أيضا علة اخرى ، مع أن المعتقدين بالمبدإ يجعلونه العلة الاولى وينقضون بقولهم ذلك كلية الأصل المذكور ؛ لتوقف العلية عندهم على المبدأ ، ومع عدم
__________________
(١) الاصول من الكافي : ج ١ ص ٧٨.