آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ـ إلى أن قال عزوجل ـ : يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ـ إلى أن قال تبارك وتعالى ـ : يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ ...﴾ (١) فالآية في سياق خطاباته لبني آدم بعد الهبوط ، ولا نظر لها بالنسبة إلى ما بعد النبي ، نظير قوله : ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (٢) ولذا قال العلّامة الطباطبائي في ذيل قوله : ﴿يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ﴾ : «والآية إحدى الخطابات العامة المستخرجة من قصة الجنة المذكورة هاهنا وهي رابعها وآخرها يبين للناس التشريع الإلهي العام للدين باتباع الرسالة وطريق الوحي ، والأصل المستخرج عنه هو مثل قوله في سورة طه : ﴿قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ...﴾ فبين أن اتيان الهدى منه إنما يكون بطريق الرسالة» (٣) فلا يمكن رفع اليد عن الضرورة والأدلة المتواترة بمثل هذه الآية التي لا تنافيها ، وغايتها أنها مطلقة فيرفع اليد عن اطلاقها بالأدلة المتواترة وبضرورة الخاتمية. نعم لو كان مختصا بزمان بعد النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لصار منافيا ، ولكنه ليس كذلك كما هو الواضح.
ومنها : ما الحكمة في تعطيل النبوة مع أن استكمال البشر لا توقف له ، ألم يحسن أن تدوم النبوة مع دوام استكمال البشر؟ والجواب عنه أن حكمة ذلك عند الله تعالى ؛ لأنه أعلم بالامور ، ولكن يظهر للمتأمل بعض المقربات ؛ لأن علل تجديد النبوة فيما مضى من الزمان امور كلها منفية بعد ظهور الإسلام ؛ لأن من العلل تحريف ما نزل من الله إلى الناس ، فيحتاج إلى بعث النبي الجديد ليرفع التحريف ، ويهدي الناس إلى الواقع مما نزل ، ومنها أن البرامج المذكورة في الشرائع السابقة كثيرا ما ربما تكون عصريا ومختصا بزمان خاص ، وليست
__________________
(١) الأعراف : ٢٤ ـ ٣٥.
(٢) البقرة : ٣٨.
(٣) الميزان : ٨ : ٨٦.