ومنها : ما أشار إليه في أنيس الموحدين ونسبه إلى الحكماء ، وهو أنه من المعلوم أنه لا يصلح للنبوة إلّا من أطاع جميع قواه من الطبيعية والحيوانية والنفسانية لعقله وانقادت له ، فمن يكون جميع قواه كذلك ، يستحيل صدور المعصية منه ؛ لأن جميع المعاصي عند العقل قبيحة ، ومن صدر عنه معصية غلب أحد قواه المذكورة كالغضب أو الشهوة على عقله ، ثم استحسنه وقال : إنه في كمال القوة والمتانة (١).
وفيه أنه أخص من المدعى ؛ لأنه لا يثبت إلّا العصمة عن الذنوب ، ولا تعرض له بالنسبة إلى العصمة عن الخطأ والنسيان فتدبر جيدا.
ومنها : ما يظهر من «تنزيه الأنبياء» وحاصله أن عصيان النبي سواء كان حال نبوته أو قبلها يوجب تنفر الناس عن قبول قوله واستماع وعظه ، فلا يسكن نفوس الناس إلى العاصي ومن يجوز صدور العصيان والقبائح عنه ، كسكون نفوسهم إلى من لم يصدر عنه عصيان ، ولا يجوز عليه صدوره ، مع أن اللطف واجب (٢) وإليه يشير ما حكى عن العلّامة ـ قدسسره ـ في ضمن ما يلزم من إنكار العصمة «ومنها سقوط محله ورتبته عند العوام ، فلا ينقادون إلى طاعته فتنتفي فائدة البعثة» (٣).
وفيه : أولا : إن هذا البرهان لا يثبت عصمة النبي عن المعصية في الخلوات ولا عن السهو والنسيان والخطأ والاشتباه ، إذ الاول مستور ، اللهم إلّا أن يقال : آثار المعاصي في الخلوات تظهر في الجلوات ومعه يحصل التنفر العمومي والثاني لا يكون قبيحا عندهم ، ولا يوجب التنفر إلّا إذا صدر السهو والنسيان ونحوهما كثيرا ، بحيث يسلب الاعتماد عنهم ، فهذا الدليل وإن عم قبل النبوة
__________________
(١) انيس الموحدين : ص ٩٩ الطبعة الحديثة.
(٢) تنزيه الأنبياء : ص ٥ ـ ٦.
(٣) دلائل الصدق : ج ١ ص ٤٢٧.