جهات مختلفة ، وقد عرفت الاشارة والتنبيه عليها ، وحيث أراد المصنف إثبات لزوم اللطف في المقام ، قال ما حاصله : إن النبوة لطف ، واللطف لازم كماله وصفاته ، فالنبوة لازمة.
ثم أعاد الكلام في تبيين حاجة الإنسان إلى الرسل والأنبياء ، لأن يتضح صغرى القياس ، وحيث كان غاية الغايات من إرسال الرسل عنده ، هو بلوغ الإنسان إلى درجات السعادة ، لاحظ سبيل تزكية الإنسان ، وشرع من أن الإنسان مركب من نوازع مختلفة ، نوازع خير ونوازع فساد ، وبين تلك النوازع منازعة ، ولا يزال تخادع الأميال والأهواء مع دواع الخير ، من دون مساواة بينهما ، فإن الأولى فعلية بفعلية أسبابها كدعوة الشيطان ومن تبعه نحو الفساد ، بخلاف الثانية فإنه لا سبب لفعليتها نوعا لو لم يكن نبي أو رسول أو إمام ومن تبعهم ، ومن المعلوم ان وجود النبيّ أو الرسول أو الإمام في تلك المنازعة الغير المتساوية من أوضح الألطاف ، فإنهم يزيدون في معرفة الناس بالله والمعاد والمعارف الحقة ، إلى أن تصير دواعي الخير والصلاح ، قبال نوازع الفساد فعلية متعادلة ، ويؤكدون ذلك بالتبشير والتنذير ، والوعد والوعيد ، ويثيرون الفطرة والعقول من القوة إلى الفعلية ، إلى أن لا يسلك سبيل الفساد والضلالة إلّا الشقي.
قال مولانا أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ : «فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ، ويروهم آيات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع ومهاد تحتهم موضوع» (١).
هذا مضافا إلى أن وجود الأنبياء والرسل اسوة في الكمالات الإنسانية ، وله
__________________
(١) نهج البلاغة : صبحي صالح ، الخطبة ١ ، ص ٤٣.