إذ الاكتفاء بذلك في تعليل الرسالة في قوة حصر لزوم الرسالة والبعثة في الإنسان الاجتماعي ، مع أنه محتاج إليها قبل صيرورته اجتماعيا كما عرفت ، على أنه إهمال لأمر آخرته ؛ لأن تمام الكلام عليه في بقاء النوع الإنساني في الدنيا ، بحيث يصل حق كل ذي حق إليه ، ولا توجه فيه إلى سعادته الاخروية ، هذا مضافا إلى أن النبوة والرسالة مقام عظيم تكون الحكومة وإقامة العدل شأنا من شئونه ، فلا ينبغي حصرها فيها كما لا يخفى ، ولذا قال في «العقائد الحقة» بعد نقل الطريق المذكور عن الحكماء : «والعجب قصر النظر في هذا البيان إلى اصلاح معاش الناس ، وعدم التوجه إلى الآخرة ، مع أن الدنيا دار المجاز والآخرة دار القرار» (١).
نعم ربما يقال : إن البحث عن النبوة حيث كان قبل اثبات المعاد ومقدما عليه فلا مجال في مقام اثبات النبوة لمراعات سعادة الانسان في المعاد ، وعليه فالاحسن هو طريقة الشيخ وغيره من الفلاسفة في اثبات النبوة ، ولكن الجواب عنه بكفاية احتمال وجود الآخرة في جواز ملاحظة السعادة الاخروية في الدليل الذي اقيم لإثبات النبوة بأن يقال مثلا : إن الإنسان الذي يحتمل أن يكون له وجود أبدي وله معاد اخروي والسعادة الابدية كيف يمكن أن يهتدي بنفسه إلى طريق السلوك ، بل يحتاج إلى تعليمات سماوية هذا مضافا إلى إمكان جعل شيء متأخر اصلا موضوعيا في البحث المتقدم كما لا يخفى.
سادسها : في أمر تعيين النبي والرسول ، وقد صرح المصنف بكونه بيد الله تعالى حيث قال : «كما نعتقد أنه تعالى لم يجعل للناس حق تعيين النبي أو ترشيحه أو انتخابه ، وليس لهم الخيرة في ذلك ، بل أمر كل ذلك بيده تعالى ؛ لأنه أعلم حيث يجعل رسالته» وهو واضح ؛ لأن التعيين أو الانتخاب فرع علم
__________________
(١) العقائد الحقة : ص ١١ ـ ١٢.