كمعاضدة العقل فيما يدل عليه ، واستفادة الحكم فيما لا يدل» (١).
هذا مضافا إلى فوائد اخر كرفع الشك عن الشبهات الموضوعية للعدل والظلم اللذين كانت العقول مستقلة فيهما. ألا ترى أن الناس اختلفوا في اليوم في القيمة الزائدة الحاصلة من عمل الأجير على المواد الطبيعية كالخشب أنها لصاحب المواد أو للأجير أو لهما ، وكل قوم يدعي أن العدل هو ما ذهب إليه والظلم خلافه ، وليس هذا الاختلاف إلّا في موضوع حكم العقل الكلي ، إذ لا اختلاف في قبح الظلم وحسن العدل بينهم ، وفي مثل هذا يحتاج إلى الشرع حتى يزول الشك.
وكرفع الغفلة عما حكم به العقل ، إذ كثيرا ما تصير الأحكام العقلية مغفولة عنها ، فالشرع يرشد الناس إلى عقولهم ، وينبؤهم بحيث تذكروا ما نسوه ، خصوصا إذا بشروهم وأنذروهم بالآثار التي للاعمال بالنسبة إلى البرزخ والقيامة والآخرة.
وأضعف مما ذكر من الشبهة حول إمكان النبوة وقوعا ، هو ما حكي عنهم أيضا من أنه دل العقل على أن للعالم صانعا حكيما ، والحكيم لا يتعبد الخلق بما يقبح في عقولهم ، وقد وردت أصحاب الشرائع بمستقبحات من حيث العقل من التوجه إلى بيت مخصوص في العبادة والطواف حوله ، والسعى ورمي الجمار ، والاحرام والتلبية ، وتقبيل الحجر الأصم ، وكذلك ذبح الحيوان ـ إلى أن قال ـ : وكل هذه الامور مخالفة لقضايا العقول (٢).
وذلك لأن الموضوع للقبح العقلي هو ما علم خلوه عن المصالح ، أو ما علم اشتماله على المفاسد ، والامور المذكورة ليست كذلك ، بل الأمر فيها بالعكس ،
__________________
(١) شرح تجريد الاعتقاد : ص ٣٤٦ الطبعة الحديثة.
(٢) الملل والنحل للشهرستاني : ج ٢ ص ٢٥١.