التكليف ، إذ عدم التكليف إما من جهة الجهل أو من جهة النقص في الجود والكرم ، أو من جهة العجز ، أو من جهة البخل ، أو من جهة عدم المحبة بالكمال والنظام الأحسن ، وكل هذه مفقودة في ذاته تعالى ، وإلّا لزم الخلف في كونه صرفا في العلم والكمال والقدرة وفي كونه عالما بنفسه وبكماله وآثاره ومحبا له ، فلا سبب لترك التكليف ، وفرض ترك التكليف حينئذ يستلزم ترجيح المرجوح وهو محال ، لرجوعه إلى ترجح من غير مرجح.
ثم لا يذهب عليك أن الطريق الذي سلكه المصنف في إثبات اللطف والرحمة ، أولى مما سلكه أهل الكلام من أن كل مقرب إلى الطاعة ، ومبعد عن المعصية لطف ، وهو واجب في حكمته ؛ لأن الإهمال به نقض للغرض ، وهو قبيح كمن دعا غيره إلى مجلس للطعام ، وهو يعلم أنه مع كونه مكلفا بالإجابة ، ومتمكنا من الامتثال ، لا يجيبه إلّا أن يستعمل معه نوعا من التأدب ، فالتأدب المذكور يقرب المكلف إلى الامتثال ويبعده عن المخالفة ، فإذا كان للداعي غرض صحيح في دعوته ، يجب عليه استعمال التأدب المذكور ، تحصيلا لغرضه ، وإلّا نقض غرضه الصحيح وهو قبيح عن الحكيم.
وإنما قلنا طريق المصنف أولى من طريق أهل الكلام ؛ لأن محصل الطريق المختار ، هو امتناع انفكاك اللطف والتكليف ، لا وجوب صدور التكليف عليه تعالى ، ومن المعلوم أن مع تعبير امتناع انفكاك اللطف والتكليف لا يأتي فيه الاشكال المذكور ، من أنه محيط على كل شيء ، فكيف يقع تحت حكم عقلي أو عقلائي ، ويتأثر منه ، وإن أمكن الجواب عن الاشكال مع تعبير الوجوب أيضا ، بما عرفت من أن المراد من الوجوب العقلي ، هو إدراك الضرورة وامتناع التكليف أيضا.
هذا مضافا إلى أن حاصل الطريق المختار ، أن الإنسان لا يتمكن من معرفة مصالحه ومفاسده ، وكيفية سلوكه نحو الكمال إلّا باللطف والتكليف ، وهو أولى