للاعداد نحو الكمال بحسب مقتضيات الأحوال وهذا هو السر في الابتلاءات والمصيبات والحوادث ، ولكن يختلف حظوظ الناس منها لاختلاف معارفهم ، وعباد الرحمن أكثر حظا من غيرهم فيها ولذلك يرون تلك البلايا والحوادث جميلة ، ويحمدونه على كل حال ، لأنهم لا يرون منه إلّا ما يستحق الحمد عليه وإن عميت أعيان الناس عن رؤية جمال تلك الامور ، نعم يظهر حقيقة كل ما صدر عنه تعالى لكل أحد في يوم القيامة كما قال عزوجل : ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً﴾ (١).
اذ نسب الحمد المطلق إلى جميع المبعوثين من القبر وليس ذلك الّا لرؤية جمال افعاله تعالى كما لا يخفى وإليه يؤول ما ورد عن الإمام زين العابدين ـ عليهالسلام ـ من أنه قال : من اتّكل على حسن اختيار الله تعالى لم يتمنّ انه في غير الحال التي اختارها الله تعالى (له) (٢).
فهذه الامور في الحقيقة ليست شرورا بالنسبة إلى من يجعلها وسيلة لاستكمال نفسه وتخلقه بالأخلاق الحسنة ، وإنما هي شرور بالنسبة إلى من لا يستفيد منها في طريق الاستكمال ، وعليه فشريتها ليست من نفسها ، بل من نفس من لا يستفيد منها.
فالعمدة هي كيفية الاستفادة من الأشياء سواء كانت بلايا وآفات أو غيرها من النعم ، فالآفات والعاهات والبلايا كالنعم والغنى والثروة والسلامة كلها من معدات الكمال.
فإيجاد البلايا والشرور ليست منافية للعدالة والحكمة ، بل هي عين ما اقتضته الحكمة والعدالة في ابتلاء الناس وامتحانهم واستكمالهم كما نص عليه في كتابه الكريم : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ
__________________
(١) الإسراء : ٥٢.
(٢) الدرة الباهرة للشهيد الأول : ص ٢٦.