وهذا هو الكفر بعينه (٤) وقد قال الله تعالى في محكم كتابه : ﴿وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ﴾ غافر : ٣١ ، وقال : ﴿وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ﴾ البقرة : ٢٠٦ ، وقال : ﴿وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾ الدخان : ٣٨ وقال : ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات : ٥٦ إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. سبحانك ما خلقت هذا باطلا.
الحكم السليم.
ومنها : الآيات الدالة على معروضية الحسن والقبح عند الناس ، مع قطع النظر عن الحكم الشرعي ، كقوله تعالى : ﴿إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ﴾ ـ إلى أن قال ـ ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ (١) فمفاد الآية أنه تعالى لا يأمر بما هو فاحشة في العقل والفطرة ، ولو لم يعلم الفاحشة إلّا بالنهي الشرعي ، لصار معنى الآية أن الله لا يأمر بما ينهى عنه ، وهذا المفاد لا يصدر عن آحاد العقلاء فضلا عن العزيز الحكيم ، وهكذا في القسط ، فإنه لو لم يكن المراد ما هو قسط عند العقل يصير المعنى قل أمر ربي بما أمر به ، وهو بارد ، كما لا يخفى (٢).
(٤) لعله لأن ذلك التصوير في حقه تعالى يستلزم تكذيب الآيات الصريحة القرآنية ، التي أشار إلى جملة منها ، بقوله : وقد قال الله تعالى في محكم كتابه الخ ، ومن المعلوم أن من يعتقد اعتقادا يلزم منه تكذيب القرآن العزيز ، فقد اعتقد بما يوجب الكفر والخروج عن ملة الاسلام فيما إذا كان ملتفتا إلى تلك الملازمة.
هذا مضافا إلى أن تصوير المبدأ تعالى بصفات الممكنات يرجع في الحقيقة ،
__________________
(١) الاعراف : ٢٨ ـ ٢٩.
(٢) راجع إحقاق الحق : ج ١ ص ٣٤٨.