الثالثة : أن الرواية لا يحتمل صحتها ومطابقتها للواقع أبداً ، للقطع بعدم اختلاف اللبن في الجارية والغلام من حيث المحل ، بأن يخرج لبن الجارية من موضع ويخرج لبن الغلام من موضع آخر ، لأن الطبيعة تقتضي خروج اللبن عن موضع معيّن في النساء بلا فرق في ذلك بين كون الولد ذكراً أو أُنثى ، فإذا سقطت الرواية عن الحجية من هذه الجهة أعني دلالتها على خروج لبن الجارية من مثانة أُمها ، فلا محالة تسقط عن الحجية في الحكم المترتب عليه وهو الحكم بوجوب الغسل من بول الرضيع فيما إذا ارتضع باللبن النجس.

ودعوى : أن سقوط الرواية عن الحجية في بعض مداليلها لا يكشف عن عدم حجيتها في بعض مدلولاتها الأُخر لعدم قيام الدليل على خلافه.

مدفوعة : بما ذكرناه غير مرة من أن الدلالات الالتزامية تابعة للدلالات المطابقية حدوثاً وحجية ، فاذا سقطت الرواية عن الاعتبار في مدلولها المطابقي سقطت عن الحجية في مدلولها الالتزامي أيضاً لا محالة ، وحيث إن في الرواية ترتب الحكم بوجوب الغسل من لبن الجارية على خروج لبنها من مثانة أُمها ، وقد سقطت الرواية عن الحجية فيما يترتّب عليه ذلك الحكم لعلمنا بعدم مطابقته للواقع ، سقطت عن الحجية في الحكم المترتب أيضاً وهو وجوب الغسل من لبن الجارية وبولها. وما أشبه دعوى بقاء الرواية على حجيتها في مدلولها الالتزامي بعد سقوطها عن الحجية في المدلول المطابقي ، باستدلال بعض أهل الخلاف على جواز الجمع بين الفريضتين للمطر والخوف والمرض بل وللسفر ونحوه من الأعذار ، بما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنه جمع بينهما في الحضر من غير عذر وقالوا إن هذه الرواية وإن كان لا بدّ من طرحها لكونها مقطوعة الخلاف إلاّ أنها تدلنا على جواز الجمع بينهما للمطر وغيره من الأعذار المتقدِّمة بالأولوية (١). فإنّهم قد أسقطوا الرواية في مدلولها المطابقي‌

__________________

(١) الجزء الثاني من المنتقى لابن تيمية الحراني ص ٤ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر ، قيل لابن عباس ما أراد بذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أُمته ، قلت : وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر وللخوف

۵۰۹