هذا المدعى سوى ما ورد في جملة من الأخبار من أن الفطري لا يستتاب وأنه لا توبة له (١) ولا يمكن الاستدلال به على المدعى ، لوضوح أن عدم استتابته لا يقتضي كفره ونجاسته على تقدير توبته ، فلعل عدم استتابته من جهة أن توبته لا يترتب عليها ارتفاع الأحكام الثلاثة الثابتة عليه بالارتداد فلا أثر لتوبته بالإضافة إليها ، وقد تقدم أن عدم ارتفاع الأحكام الثلاثة أعم من الكفر.

وأما ما دلّ على أنه لا توبة له فهو وإن كان قد يتوهم دلالته على كفره ونجاسته لأنه لو كان مسلماً قبلت توبته لا محالة ، إلاّ أنه أيضاً كسابقه ، حيث إن التوبة ليست إلاّ بمعنى إظهار الندم وهو يتحقق من الفطري على الفرض فلا معنى لنفي توبته سوى نفي آثارها ، وعلى ذلك فمعنى إن الفطري لا توبة له : أن القتل وبينونة زوجته وتقسيم أمواله لا يرتفع عنه بتوبته وأن توبته كعدمها من هذه الجهة ، ولا منافاة بين ذلك وبين إسلامه بوجه.

ويمكن حمله على نفي الأعم من الآثار الدنيوية والأُخروية ، وأنه مضافاً إلى قتله وغيره من الأحكام السابقة آنفاً يعاقب بارتداده أيضاً ولا يرتفع عنه العقاب بتوبته لأن ما دلّ على أن التائب من ذنب كمن لا ذنب له وغيره من أدلّة التوبة (٢) لا مانع من أن يخصّص بما دلّ على أن الفطري لا تُقبل توبته ، إلاّ أنه لا يدل على عدم قبول إسلامه بوجه.

وتوضيح ما ذكرناه : أن المعصية الصادرة خارجاً قد يقوم الدليل على أن الآثار المترتبة عليها غير زائلة إلى الأبد وإن زالت المعصية نفسها ، وذلك لإطلاق دليل تلك‌

__________________

(١) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن المرتد فقال من رغب عن الإسلام وكفر بما انزل على محمد بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته وقسم ما ترك على ولده » وصحيحة الحسين بن سعيد قال : « قرأت بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشرك وخرج عن الإسلام هل يستتاب أو يقتل ولا يستتاب؟ فكتب عليه‌السلام يقتل ». الوسائل ٢٨ : ٣٢٣ / أبواب حدّ المرتد ب ١ ح ٢ ، ٦.

(٢) الوسائل ١٦ : ٧١ / أبواب جهاد النفس ب ٨٦.

۵۰۹