وممّا يؤيِّد ذلك ما ورد في بعض الروايات بياناً لكيفية طبخ العصير من قوله عليه‌السلام « ثم تكيله كله فتنظركم الماء ثم تكيل ثلثه » (١) فإنّه كالصريح في أن الاعتبار بالكيل والمساحة. نعم لم نستدل بتلك الرواية في الحكم بحرمة العصير بالغليان للمناقشة فيها سنداً ودلالة فليراجع ما ذكرناه في البحث عن نجاسة العصير وحرمته (٢) هذا كله في الوجه الأوّل من الوجهين السابقين.

وأمّا ثانيهما : وهو الاستدلال بالأخبار ، فلأنّ الرواية الأُولى منها وإن كانت تامّة دلالة إلاّ أنها مرسلة ، لأنّ الكليني قدس‌سره إنما ينقلها عن بعض أصحابنا (٣) فلا يمكن الاعتماد عليها. وأما الرواية الثانية فلأن الوزن فيها إنما ذكر في كلام السائل دون جواب الإمام عليه‌السلام فان كلامه غير مشعر بإرادة الوزن أبداً. وقد عرفت أن إطلاق الثلث أو غيره من المقادير في المائعات منصرف إلى الكيل والمساحة. مضافاً إلى ضعف سندها بعقبة بن خالد ومحمد بن عبد الله بناء على أنه محمد بن عبد الله بن هلال كما هو الظاهر. وأما الرواية الثالثة فلأن الدانق معرب « دانك » بالفارسية ، والمراد به سدس الشي‌ء عند الإطلاق ، وهو من أسماء المقادير بالمساحة فلا دلالة لها على إرادة الوزن. على أن سندها ضعيف من وجوه منها : عدم توثيق منصور بن العباس الواقع في سلسلته فليراجع (٤).

وأمّا المقام الثاني : فقد يقال : إن مقتضى استصحاب حرمة العصير أو نجاسته قبل ذهاب الثلثين عنه هو الحكم بحرمته ونجاسته بعد الغليان وذهاب ثلثيه كما ، وذلك للشك في طهارته وحليته بذلك ، ولا مسوغ لرفع اليد عن اليقين بحرمته ونجاسته حتى يقطع بحليته وطهارته ، وهذا إنما يحصل بذهاب الثلثين وزناً.

وفيه : أن الشبهة مفهومية في المقام للشك فيما يراد من الثلث الباقي أو الثلثين‌

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٢٨٩ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٥ ح ٢.

(٢) في المسألة [٢٠٢].

(٣) الكافي ٦ : ٤٢١ / ٩.

(٤) رجال النجاشي : ٤١٣ / ١١٠٢.

۵۰۹