نعم لو فرض صدق البول عليه يحكم بنجاسته بعد ما صار ماء. ومن ذلك يظهر حال عرق بعض الأعيان النجسة أو المحرمة ، مثل عرق لحم الخنزير ، أو عرق العذرة ، أو نحوهما ، فإنّه إن صدق عليه الاسم السابق وكان فيه آثار ذلك الشي‌ء وخواصه يحكم بنجاسته أو حرمته ، وإن لم يصدق عليه ذلك الاسم ، بل عدّ حقيقة أُخرى ذات أثر وخاصية اخرى ، يكون طاهراً وحلالاً. وأما نجاسة عرق الخمر فمن جهة أنه مسكر مائع ، وكل مسكر نجس.


خارجي كان كذا ثم صار كذا كما تقدّم (١) في قوله تعالى ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى .

وتظهر الثمرة فيما إذا استهلكت قطرة دم في ماء كثير ثم أخذناها من الماء بالآلات المعدّة للتجزية ، فإنّها محكومة بالنجاسة حينئذ لأنها عين القطرة السابقة ، غاية الأمر أنها لم تكن محسوسة لتفرق أجزائها مع بقائها حقيقة من غير أن تتبدل حقيقتها وصورتها فاذا اجتمعت وظهرت على الحس حكم بنجاستها لا محالة ، وهذا بخلاف ما إذا استحالت القطرة تراباً ثم بدواء أو غيره صيّرنا التراب دماً ، فإنّه حينئذ دم جديد غير الدم السابق لأنه قد انعدم بصورته وحقيقته ولا يحكم بنجاسته ، لاختصاص النجاسة بدم الحيوان الذي له نفس سائلة ، والدم المتكوِّن بعد الاستحالة دم مخلوق الساعة ولا دليل على نجاسته.

ثم إن الأنسب في المثال ما ذكرناه دون ما مثّل به الماتن قدس‌سره وذلك لأنه مثّل في الاستحالة بما لا يعود إلى الشي‌ء السابق ، لوضوح أن الماء الحاصل من البخار غير البول الذي استحال بخاراً ، ومن المناسب أن يمثّل بما يعود إلى الشيئية السابقة بعد الاستحالة والاستهلاك ، ويحكم عليه في أحدهما بالطهارة وفي الآخر بالنجاسة ، ولا مثال له سوى الدم كما مثّلنا به. وأما بخار الماء المتنجِّس إذا صار ماء فهو أيضاً غير‌

__________________

(١) في ص ١٥٦.

۵۰۹