واقع الاجتهاد عند الإمام الخوئي :

كان يرى : أنّ الاجتهاد يتّسع نطاقه لكل ما يصلح أن يكون من معدّات الاجتهاد ومقوّماته من قريب أو بعيد. اجتهاداً في الفقه والأُصول على مستوى التهذيب والتشذيب ، والإبداع ، واجتهاداً في التفسير ، وخاصّة منها آيات الأحكام ، واجتهاداً في الرِّجال ، بما يخرجها عن حدّ الجمود والتقليد.

ولو قُدِّر لمجتهد أن يقلِّد فقيهاً في قاعدة من القواعد الفقهيّة ، أو في مبنى من المباني الأُصوليّة ، أو يتابع رجاليّاً اجتهد في توثيق من التوثيقات ، أو يتعبّد بمذهب من مذاهب المفسِّرين وأقوالهم ، لكان في نهاية الأمر مقلِّداً لغيره في أحكامه واستنباطاته وفتواه ، إلاّ فيما هو ضروري أو ثابت. بل لا بدّ لكل مجتهد مطلق الاجتهاد من أن يختار أُصوله ومبانيه ، وعامّة ما تسعه رقعة الاجتهاد ، ليصحّ له أن يجتهد من دون تقليد ، ويكون حكمه حكم الله الذي ينبغي أن لا يُردّ.

وهكذا كان الإمام الخوئي مجتهداً ، بنى اجتهاده على أُصولٍ ومبانٍ جديدة مختارة ، حتّى في معدّات الاجتهاد ومقدّماته ، لئلاّ يكون مقلِّداً في شي‌ء من ذلك ، إلاّ ما هو تعبُّديّ من الدِّين ، أو توقيفي من العلم ، كما ظهر ذلك في ممارسته للعلوم الإسلامية ، التي تناولها من جذورها بالبحث والتدريس ، والعرض الشامل على الطلاّب.

ولهذا استطاع أن يكون صاحب مدرسة في الاجتهاد ، ونهج في عرض العلوم الإسلامية ، بكلّ دقّة وتفوّق.

موقف الإمام الخوئي من الاجتهاد السياسي :

أنّ الاجتهاد على ضوء السياسة إنّما يرتكز على تغليب السياسة على الدِّين ، وهو من أخطر أنواع الاجتهاد في مقابل النص ، وهو ما كان يأباه الإمام الخوئي.

على أنّ الشيعة لم تكن لتفصل الدِّين عن السياسة في أئمّتها عليهم‌السلام وقادتها وفقهائها في فقه الإمامة والسياسة. وكان للتشيّع منذ فجر التاريخ الإسلامي رؤية سياسيّة مستقلّة مناهضة لكل السياسات التي تتاجر بالدِّين ، وهي لا تستند إلى ركن ركين. ويرى أنّ في الدين سياسات كفوءة ، قادرة على أن تقود المسلمين إلى حياة حرّة كريمة تغنيهم عن‌

۵۳