والواقع : انّ مقتضى النبوّة والإمامة : أن يتصرّف النبيّ والإمام في النفوس والأموال بكلّ ما هو من مصلحة المسلمين. على أنّ ولاية الله المطلقة عدا ولاية العبوديّة هي التي انتقلت إليهم ، فلا يمكن تحديدها ، أو تقييد إطلاقها بشي‌ء من التضييق.

ومن الغفلة عن مقام النبوّة والإمامة أن نتصرّف في ولايتهم ، بمصلحة نقدِّرها نحن بعقولنا وإن أمكن من جهة أُخرى ، إناطة ذلك بما هو الضروريّ من التصرّف. ومن المصلحة أن تكون ولايتهم نافذة على الأُمّة ، من دون تصرّف منّا في إطلاقها وسعتها.

ويفرِّق العلاّمة بحر العلوم بين ولاية التصرّف بمعنى نفوذ تصرّف النبيّ والإمام في نفوس الرعيّة وأموالهم ، فله ذلك ، وبين أن تكون له أنحاء التصرف فيهم ، حسبما تتعلّق به إرادته ، لعدم نهوض الأدلّة عليه (١). وذلك بمعنى الفرق بين فعليّة النفوذ وشأنيّته ، ولعلّه يشير بذلك إلى اقتضاء التصرّف وضرورته كما قلنا وحينئذٍ يلزمه إطاعته.

ولاية الفقيه :

أمّا عن الولاية المطلقة للفقيه الجامع للشرائط ، فيجيب الإمام الخوئي على ذلك بقوله : ( في ثبوت الولاية المطلقة للفقيه الجامع للشرائط خلاف ، ومعظم فقهاء الإماميّة يقولون بعدم ثبوتها. وإنّما تثبت في الأُمور الحسبيّة فقط ) (٢).

وهو وإن لم يرجِّح أحد القولين في هذا المقام ، إلاّ أنّه يوجب إقامة الحدود ( حفظاً للنظام ) ، والحدود لا يمكن أن يقيمها إلاّ الحاكم المبسوط اليد. ولا يتأتّى ذلك بيسر إلاّ بعد إقامة حكم إسلامي يقوى على ذلك. ولهذا نعرف مدى رأيه في اتّساع الأُمور الحسبيّة ، وولاية الفقيه.

ففي كتاب القضاء يصرِّح : ( القضاء واجب كفائيّ ، وذلك لتوقّف حفظ النظام المادي والمعنوي عليه ) (٣).

__________________

(١) بلغة الفقيه ٣ / ٢١٧.

(٢) مسائل وردود ١ / ٥ ، فتاوى الإمام الخوئي وآراؤه.

(٣) مباني تكملة المنهاج ١ / ٤٠.

۵۳