( هي بمعنى القربة المقصود منها التقرّب إلى الله تعالى ، وموردها هي : كلّ معروف علم إرادة وجوده في الخارج شرعاً من غير موجد معيّن ) (١).

الثالث المرجعيّة العُليا :

والحق : أنّ المرجعيّة العُليا تلك التي تمثِّل النيابة العامّة وإن لم تكن كالحكومة الإسلاميّة في بسط يدها ، إلاّ أنّها استطاعت طوال التاريخ أن تسعى لحاكميّة الإسلام في أعماق المجتمع الإسلامي.

وكانت هذه المرجعيّة منذ عصر الغيبة الكبرى تنوب عن الإمامة ، بالنيابة العامّة. فكان الكيان الديني الذي خلّفه الإمام الغائب ، فأصدر توقيعه الشريف فيها : ( وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنّهم حجّة عليكم ، وأنا حجّة الله عليكم ) (٢).

وممّا يبعث على التفسير والتحليل أكثر فأكثر هو الإشعار بـ ( الحوادث الواقعة التي لا بدّ وأن تكون الحوادث السياسيّة والاجتماعيّة ، وهي من أهم ما ينتاب حياة المسلمين في كلّ عصر ، وإلاّ فإنّ أحكام العبادات مثلاً لا يعنيها هذا النص ، كما أنّ الاشعار بقوله : ( فارجعوا فيها ) إليهم هو الذي ولّد لهم أرضيّة هذه المرجعيّة ، فأطلق عليهم بعد ذلك مراجع الدِّين ، تسمية خاصّة بهم.

فالمرجعيّة المتأصِّلة كانت ولا تزال هي الحافِظَة للإسلام وكيان المسلمين ، تُدافع عن حقوقهم ، وترعى مصالحهم ، وتدير الحوزات العلميّة ، ومراكز التعليم والثفاقة ، وتُعدّ الفقهاء ، والنوّاب المأذونين ، ومراجع التقليد ، وقادة المسلمين الذين يقفون دون انهيارهم في الفكر والعقيدة ، ويدعمهم باستقلال الرأي أمام المذاهب والتيّارات ، وحيال السلطات الجائرة ، والحكومات الظّالمة ، يحكم فيهم بشرائع الله وسننه ، وهي التي تقيم لهم الحكومة الإسلامية العتيدة.

وأمر التقليد في هذه المرجعية ، كان العامل الجذري في هذه الحاكميّة ، إذ لم تُقبل أفعال‌

__________________

(١) فقه الشيعة ( الاجتهاد والتقليد ) ، تقرير آية الله الخلخالي لأبحاث أُستاذه الإمام الخوئي.

(٢) وسائل الشيعة ج ١٨ باب ١١ من أبواب صفات القاضي ح ٩.

۵۳