غائب عنهم.

د ـ إنّ هذه الولاية لم تنتزع من المعصوم الولاية المطلقة التي تستدعي انتقال العصمة ، والعلم بالغيب ، والإعجاز ، والخصائص الأُخرى الخارقة التي خوّلته الولاية المطلقة على حدّها. غير أنّه لا يمنع ذلك من انتقال هذه الولاية بحكم النيابة العامّة على مستوى الزّعامة الكبرى ، وعلى حدّ مسؤوليّة الحكم وسعتها ، ومختلف شؤونها (١) وأحوالها. وهذه الولاية ، وإن كانت من الموضوعات ، وليست من الأحكام ، إلاّ أنّه لا يمكن أن يكون هؤلاء الرّواة نقلة إلى غيرهم ، وقد ارجع إليهم بالذّات النّظر في الحوادث كلّها. ولذلك كان المقصود بهم المجتهدون من أصحاب الحكم والفتوى ، كما أنّ المقصود من الفقيه هو الأفقه في الدِّين والأبصر بمقدرات الأُمّة ومستلزماتها ، ليصحّ الرجوع إليه دون غيره ، ولأنه يشمله رجوع الجاهل إلى العالِم ، باعتباره أوصل ممّن يجهل مبلغ علمه وفقاهته.

٢ ـ مجاري الأُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله ، الامناء على حلاله وحرامه (٢) ‌، وقد أعطى الفقهاء مسؤوليّة الحكم ، بما فيه التصدِّي للفتوى ، والأُمور العامّة التي تنتاب حياة المسلمين وبقاءهم.

٣ ـ فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مُخالفاً على هواه ، مُطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يُقلِّدوه (٣) ‌هذا المنصب الخطير.

ولا يعنينا سند ذلك (٤) ، لأنّ العقل يحكم بضرورة هذه المزايا والشروط ، لمن يريد أن يحكم الناس بالنيابة وغيبة الإمام الغائب تقتضي أن يكون له نوّاب عامّون كما كان له نوّاب خاصّون. والدليل على وجود النوّاب الأربعة هو الدليل على وجود نوّاب آخرين بالنيابة العامّة ، يُنتخبون بالوصف ، لا بالاسم. فإذا لم يحرز رضاه بالحاكم القائم ، أو إذنه له ، فلا دليل على نيابته أبداً.

__________________

(١) الحاكمية في الإسلام ، لآية الله السيد محمّد مهدي الخلخالي / ١٩٢.

(٢) مستدرك الوسائل ٣ / ١٨٨ باب ١١ من أبواب صفات القاضي ح ١٦ ، وتحف العقول / ٢٣٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ / ٩٤ ح ٢٠.

(٤) راجع الحاكميّة في الإسلام ، ملحق رقم ٣.

۵۳