جاء في البرّ أو البحر؟
وهكذا يتبيّن أن شيئاً من أوجه المفارقة المذكورة لتفنيد الاتجاه الّذي سار عليه صاحب الكفاية ( قده ) في معاني الحروف لا يتمّ برهانيّاً.
والصحيح في تفنيد هذا الاتجاه أن يقال : لو أريد بعدم استقلاليّة معاني الحروف كونها تلحظ حالة لمعاني الأسماء ومندكّة فيها فسوف يأتي لدى عرض الاتجاه الثالث أن هذه الحالية والاندكاك تنجم عن الفرق بينهما سنخاً وذاتاً وليست مجرّد حالة طارئة على المعنى. ولو أريد كونها آلة ومرآتاً لملاحظة المصاديق الخارجية الخاصة فيرد عليه :
أولا : انَّ كلّ مفهوم يكون مرآة لمصاديقه الخارجية بمقدار ما أخذ فيه منها ، فان كان مفهوماً كليّاً لا يكون مرآة إلا عن الحيثيّة المشتركة بين الأفراد ويستحيل أن يكون مرآتاً عن الخصوصيّات ، وإن كان جزئيّاً وخاصاً ـ ولو بالحمل الأوّلي ـ كان حاكياً عن الخاصّ الخارجي ، فلا يصلح هذا لأن يكون تمييزاً بين معاني الحروف والأسماء.
وثانياً : ما يأتي في إثبات الاتجاه القادم من اختلاف المعنى الحرفي عن المعنى الاسمي ذاتاً وحقيقة.
٣ ـ نسبية المعنى الحرفي
والاتجاه الثالث هو الاتجاه القائل بالتغاير والتمايز الذاتي بين معاني الحروف والأسماء مع قطع النّظر عن الخصوصيات العرضية الناشئة من طرو اللحاظ الآلي أو الاستقلالي عليها في مرحلة الاستعمال وهذا هو الاتجاه الّذي ذهب إليه أكثر المحقّقين المتأخّرين من علماء الأصول.
وتوضيح هذا الاتجاه وتحقيقه يتمّ خلال خمس مراحل من الكلام.
١ ـ عند ما يواجه الذهن ناراً في الموقد مثلاً ينتزع مفهوماً بإزاء النار والموقد وينتزع مفهوماً بإزاء الارتباط والعلاقة القائمة بين النار والموقد حيث نواجه ناراً وموقداً مرتبطين فيما بينهما.