تعتمد على البرهان أو انها مسألة استقرائية ووجدانية؟. ولم يكن يقتصر على دعوى وجدانية المدعى المطلوب إثباته فحسب ، بل كان يستعين في إثارة هذا الوجدان وإحيائه في نفس الباحثين من خلال منهج خاص للبحث ، وهو منهج إقامة المنبهات الوجدانية عليه.
وهذه نقطة سوف نواجهها بوضوح في دراساتنا الأصولية القادمة.
٥ ـ النزعة المنطقية والوجدانية :
ومن معالم فكر سيدنا الشهيد نزعته المنطقية والبرهانية في التفكير والطرح في الوقت الّذي كانت تلك المعطيات البرهانية تنسجم وتتطابق مع الوجدان وتحتوي على درجة كبيرة من قوة الإقناع وتحصيل الاطمئنان النفسيّ بالفكرة ، فلم يكن يكتفي بسرد النظرية بلا دليل أو كمصادرة ، بل كان يقيم البرهان مهما أمكن على كل فرضية يحتاج إليها البحث حتى ما يتعسر صياغة برهان موضوعي عليه كالبحوث اللغوية والعقلائية والعرفية ، وهذه السمة جعلت آراء ومعطيات هذه المدرسة الفكرية ذات صبغة علمية ومنطقية فائقة ، يتعذر توجيه نقد إليها بسهولة. كما جعلتها أبلغ في الإقناع والقدرة على افهام الآخرين وتفنيد النظريات والآراء الأخرى. وجعلتها أيضا قادرة على تربية فكر روادها وبنائه بناء منطقيا وعلميا ، وبعيدا عن مشاحة النزاعات اللفظية أو التشويش والخبط واختلاط الفهم ، الخطر الّذي تمني به الدراسات والبحوث العلمية والعقلية العالية في أكثر الأحيان.
وفي الوقت نفسه لم يكن يتمادى هذا الفكر البرهاني المنطقي في اعتماد الصياغات والاصطلاحات الشكلية ، التي قد تتعثر على أساسها طريقة تفكير الباحث فيبتعد عن الواقع ويتبنى نظريات يرفضها الوجدان السليم. خصوصا في البحوث ذات الملاك الوجداني والذاتي ، التي تحتاج إلى منهج خاص للاستدلال والإقناع. فكنت تجده دوما ينتهي من البراهين إلى النتائج الوجدانية ، فلا يتعارض لديه البرهان مع مدركات الوجدان الذاتي السليم في مثل هذه المسائل ، بل كان على العكس يصوغ البرهان لتعزيز مدركات الوجدان ، وكان يدرك المسألة أولا بحسه الوجداني والذاتي ثم كان يصوغ في سبيل دعمها علميا ما يمكن من البرهان والاستدلال المنطقي. ومن هنا لا يشعر الباحث بثقل البراهين وتكلفها أو عدم تطابقها مع الذوق والحس والوجداني للمسألة ، الأمر الّذي وقع فيه الكثير من الأصوليين والفقهاء المتأثرين بمناهج العلوم العقلية الأخرى ...