٢ ـ في التطبيق. وهذا ما يحصل عادة حين يبحث عن تطبيق كبرى مقدمات الحكمة على مورد فيقال : انَّ الجملة الشرطية مثلاً هل يتصوّر فيها إطلاق يدلّ على الانتفاء عند الانتفاء أو لا ، فانَّ هذا بحث تطبيقي لأنَّ كبرى مقدمات الحكمة مفروغ عنها على نحو لا يحتمل التخصيص فيها وإنَّما الكلام في تشخيص صغراها.
فإن قيل : أي معنى للبرهنة على أنَّ اللفظ يدلّ على المعنى الفلاني فانَّ الانسباق أمر وجداني أو قريب من الوجدان دائماً ، فمع وجوده لا شك في الدلالة ومع عدمه كيف يمكن إثبات الدلالة ببرهان.
قلنا : أمَّا في المجال الأول ، فقد عرفت أنَّ البرهان لا يكون وسيلة على إثبات المعنى ابتداءً بل وسيلة سلبية على نفي أن يكون أحد المحتملين أو المحتملات معنى للفظ لعدم كونه مفهوماً متقرراً واحداً في نفسه ، وهذا من شأن البرهان إثباته أو نفيه.
وأمَّا في المجال الثاني ، فلأن كبرى دلالة قد يفرغ عنها ، كدلالة مقدمات الحكمة على نحو لا يحتمل التخصيص في اقتضائها وانَّما يكتنف الغموض صغراها ؛ فقد لا يكون الانطباق واضحاً حتى عرفاً ولكن على نحو بحيث لو بيّن الانطباق لأحسّ العرف بالدلالة تطبيقاً لمقدمات الحكمة. ولكن مع هذا قد يتوهّم : ان خفاء الدلالة على العرف لا بدَّ أن يكشف عن خلل في نظر هم في انطباق تلك الكبرى على المورد ومعه يكون نظرهم متبعاً.
إلا أنَّ الصحيح انَّ الأمر ليس كذلك دائماً بل يختلف ، فقد يكون على هذا النحو ، كما في خفاء استفادة الوجوب من صيغة الأمر بالإطلاق بتقريب : انَّ الوجوب هو الطلب المطلق والاستحباب هو الطلب المقيّد لأنَّه فرد ضعيف من الطلب والفرد الضعيف يرجع إلى المقيد بحدّ عدمي. لوضوح انَّ هذه القيدية ليست عرفية ومقدمات الحكمة انَّما تنفي القيد العرفي. وقد لا يكون على هذا النحو ، كما في خفاء استفادة المفهوم من الشرط بلحاظ افتراض علة أخرى يساوق عدم كون الشرط دخيلاً بعنوانه وهو خلاف ظاهر اللفظ ، فانَّ هذا التقريب لو تمّ لا يضرّ به خفاء النتيجة المستخلصة منه فعلاً لأنَّ هذا الخفاء مرجعه إلى عدم إدراك العرف للتلازم بين هذه النتيجة وما يفهمه من اللفظ فعلاً من دخل الشرط بعنوانه فإذا أمكن إثبات هذا التلازم ولو بالبرهان تمّ المطلوب.