التصورين ـ كما تقدم ـ وكلما حصل قرن وأشراط بين تصورين لشيئين على نحو أصبح أحدهما سببا للآخر ترتب على ذلك قيام نفس العلقة بين الإحساس بذلك الشيء وتصور الشيء الآخر على نحو يكون الإحسان بنفسه سببا كافيا لتوليد تصور الشيء الآخر ، لما بين الإحساس بشيء وتصور ذلك الشيء من ارتباط يجعل ما أشرط بتصوره مشروطا بإحساسه أيضا ، وهذا معناه أن الإحساس باللفظ سمعيا أو بصيرا يولد على أساس بالإشراط تصور المعنى مباشرة فيكون هذا الإحساس بنفسه مثلا للدور الّذي ثبت بالوضع لتصور اللفظ ، ويترتب على ذلك أن تصور اللفظ يكون دائما تحت الشعاع ويكون البارز هو الانتقال مباشرة من الإحساس باللفظ إلى تصور المعنى وبذلك يصح أن يقال : بان اللفظ مغفول عنه ومرآة ونحو ذلك من التعابير.
وهذا التفسير صحيح في أساسه القائل بان علاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور المعنى تمتد إلى نفس الإحساس باللفظ على أساس ما بين الإحساس به وتصوره من ربط فتقوم السببية بين الإحساس باللفظ وتصور المعنى مباشرة ، ويصلح هذا التفسير لتبرير الفرق بين الدلالة الآلية للفظ على المعنى ودلالة العلامة على ذي العلامة ، حيث ان تلك تصورية تقوم على أساس التلازم بين تصورين بسبب الأشراط فينسحب الأشراط من تصور المعنى على الإحساس به فيكون الإحساس باللفظ كافيا للانتقال التصوري إلى المعنى ، واما دلالة العلامة على ذيها فتصديقية فلا يكفي مجرد الإحساس بالعمود للتصديق ببلوغ رأس فرسخ ما لم يتحول هذا الإحساس إلى التصديق بأحد طرفي الملازمة المستبطن لتصوره.
ولكن ، هذا التفسير لا يشمل كل الحالات ، إذ في بعض الحالات لا يوجد هناك إحساس سمعي ولا بصري باللفظ ، كما هي الحال فيما إذا لاحظنا الشخص الّذي يتصور الكلام في ذهنه لا السامع ولا القارئ ، فانه ينطلق من تصور اللفظ إلى تصور المعنى لا من الإحساس باللفظ إلى تصور المعنى ، فكيف نفسر المرآتية في هذه الحالة؟
الخامس : ويمكن أن يعتبر بوجه تكميلا للوجه الرابع وتحقيقه : أن الانتقال الذهني إلى المعنى المدلول للفظ على نحوين :
أحدهما : الانتقال الناشئ من تصور اللفظ وإدراكه بوجه من الوجوه وهذا هو