يرجع فيه إلى البراءة لأنها مجعولة شرعا. بخلاف الأسباب العادية ، فانه ليس للشارع التصرف فيها باعتبار ان تأثيرها في المسببات تكويني لا جعلي ، فإذا تردد السبب العادي بين ان يكون الأقل أو الأكثر لم يكن المورد مجرى البراءة لأن المرفوع بها ما يمكن جعله شرعا وليس السبب العادي بخصوصياته من مجعولات الشارع. وبما ان الشك فيما نحن فيه يرجع إلى الشك في دخل قصد القربة في الغرض لا في المأمور به لفرض عدم إمكان أخذه فيه ، فمرجع الشك في التعبدية إلى الشك في دخل قصد التقرب في الغرض ، ولا يخفى ان تأثيره في ترتب الغرض ـ لو كان ـ ليس بجعلي وانما تأثير تكويني ، فليس للشارع رفعه بالبراءة. فيكون مقتضى الأصل هو الاشتغال لا البراءة.

وأورد عليه بعد ذلك : بأنه فاسد مبنى وبناء.

اما المبنى ، فلعدم الفرق بين المسببات العادية والشرعية في كون الشك في ترتبها على أسبابها مجرى قاعدة الاحتياط ، ولذا يقرر الاحتياط عند الشك في تحقق الطهارة بفقدان بعض خصوصيات الوضوء وهو أمر مسلم.

واما البناء ، فببيان ان متعلقات التكاليف ليست نسبتها إلى الغرض نسبة السبب إلى المسبب ، وانما نسبتها إليه نسبة المعد للمعد له (١). وقد بين ذلك بنحو مفصل ليس تحقيقه محل بحثنا فعلا ، وانما ذكرنا ملخص كلامه ، فالإيراد الصحيح على الوجه المذكور ما ذكره من عدم الفرق بين الأسباب والمسببات الشرعية والعادية في كون الشك في المسببات مطلقا مورد الاحتياط ، فالتفريق بين ما نحن فيه ومسألة الأقل والأكثر بهذا الوجه واللحاظ غير سديد.

لكن الحق ان هذا المعنى ليس مراد صاحب الكفاية ، فانه غير ظاهر من العبارة أولا ، ولا يلتزم بجريان البراءة عند الشك في المسبب الشرعي ثانيا ، فلا

__________________

(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ١١٩ ـ الطبعة الأولى.

۵۲۸۱