الأول : أن التبادر انما يكون كاشفا عن الوضع وعلامة له في ظرفه. يعني : انه يكشف عن الوضع في زمان التبادر أما قبله فلا يكشف عن الوضع. وعليه فتبادر المعنى فعلا من اللفظ المستعمل من قبل الشارع لا يجدي في إثبات انه هو المعنى الموضوع له سابقا وفي حال الاستعمال كي يؤخذ به ويلتزم بان الشارع اراده ، فلا بد من ضم أصل عقلائي للتبادر ينفع في المقصود وهو الاستصحاب القهقرى ، فيبنى به على ثبوت الوضع من ذلك الزمان ، وهذا الاستصحاب وان كان على خلاف الاستصحابات الثابتة من الشارع لأن ملاكها اليقين السابق والشك اللاحق ، على العكس في هذا الاستصحاب لأن الشك سابق واليقين لا حق وبهذا الاعتبار سمي بالقهقرى ، فلا يكون مشمولا لأدلة الاستصحاب ، لكنه ثابت ببناء العقلاء عليه في باب الوضع والظهور ، ولولاه لما قام لاستنباط الأحكام الشرعية من النصوص أساس ، إذ ظهورها في معنى في زماننا لا يكون دليلا على الحكم ما لم يثبت ظهورها فيه في زمان الاستعمال ، ولا مثبت لذلك سوى هذا الاستصحاب ، فعلى ثبوته تدور رحى الاستنباط.
الثاني : ـ وهو ما أشار إليه في الكفاية ـ ان التبادر كما عرفت علامة للوضع إذا كان مستندا إلى حاق اللفظ بلا انضمام قرينة إليه ، فلو شك في استناده إلى قرينة أو إلى حاق اللفظ لم يكن علامة للوضع إذ لم يعلم انه مستند إلى حاق اللفظ المقوم لكونه علامة.
والتمسك بأصالة الحقيقة ، وان الأصل ان يكون الاستعمال حقيقيا.
غير صحيح ، لأن المرجع في هذا الأصل اما ان يكون هو الشارع أو بناء العقلاء ، فان كان المرجع هو الشارع لم يصح إجراؤه ، إذ لا يثبت كون المتبادر مستندا إلى حاق اللفظ وبلا قرينة إلاّ بالملازمة كما لا يخفى ، فيكون من الأصول المثبتة وهي غير معتبرة شرعا. وان كان بناء العقلاء ، فهم انما يتمسكون بأصالة الحقيقة في مورد يشك فيه في أصل المراد وانه المعنى الحقيقي أو المجازي الناشئ