الثاني : أنا لا نجد ترتب شيء من أحكام المعنى الخارجي وآثاره على وجود اللفظ فما معنى كونه وجودا تنزيليا له؟ (١)
ويمكن في دفع هذه المناقشة منع كلا الأمرين. ففيما يتعلق بالأمر الأول يقال : بأن رجوع الاعتبار إلى التنزيل بلحاظ الآثار دائما غير صحيح ، بل هناك نحو من الاعتبار والحكومة يكون متمحضا في ادعاء أن هذا ذاك. وقد بين الفرق بينهما في كلمات المحقق النائيني ـ قده ـ في البحث عن كيفية جعل الطريقية للأمارات ، حيث كان يورد عليه : بأن الآثار المطلوبة في القطع الطريقي ليست شرعية فكيف يصح التنزيل بلحاظها. فكان جوابه ـ قده ـ بيان الفرق بين التنزيل بلحاظ الآثار وبين اعتبار ما ليس بعلم علما.
وفيما يتعلق بالأمر الثاني يقال : ان أهم أثر من آثار المعنى الخارجي ـ وهو الانتقال إليه تصورا عند الإحساس به ـ يترتب على اللفظ أيضا ببركة هذا التنزيل ، فلتكن الحكومة بهذا المقدار.
والصحيح في الإجابة عن هذه الصيغة : ما ذكرناه الآن في إبطال الصيغة الأولى من أن السببية والاستتباع بين اللفظ والمعنى لا يعقل أن تكون متولدة من مجرد الاعتبار والجعل ، وإلا لأمكن جعل كل شيء سببا لشيء آخر بمجرد الاعتبار.
هذا ، مضافا : إلى ان تنزيل اللفظ منزلة الوجود الخارجي للمعنى أو اعتباره وجودا للمعنى لا يجعل منه بالاعتبار سوى مصداق عنائي للمعنى ومن الواضح ان تصور المصداق الحقيقي ليس سببا بذاته للانتقال إلى تصور الطبيعي فكيف بالمصداق العنائي الاعتباري. فلا بدّ ان تبدل الصيغة السابقة إلى صيغة تقول : بأن الوضع هو اعتبار اللفظ نفس المعنى ، أي اعتبار العينية بالحمل الأولي بينهما. وهذا غاية ما ينتجه ان يكون تصور اللفظ تصورا لذات المعنى بالاعتبار ولا يفسر كيف يحصل تصور للمعنى حقيقة.
ومنه يعرف الجواب على الصيغة الثالثة لنظرية الاعتبار القائلة : بأن الوضع هو
__________________
(١) راجع هامش أجود التقريرات ج ١ ص ١٢