أقوالهم في إطار هذا الاتجاه إلى مذهبين رئيسين :
الأول : مذهب الجعل الواقعي للسببية القائل : بأن الواضع يجعل السببية مباشرة بين طبيعي اللفظ والمعنى فتكون الملازمة والاستتباع بينهما أمرا واقعيا على حد واقعية الملازمات والسببيات الثابتة في لوح الواقع ولكن تحققها في المقام يكون ببركة الوضع والجعل.
الثاني : المذهب القائل : بأن الجاعل يقوم بعملية يترتب عليها قيام السببية بين اللفظ والمعنى أي يحدث في اللفظ صفة خاصة فيصبح اللفظ بعد اكتسابه تلك الصفة سببا لإخطار المعنى.
وقد اعترض على المذهب الأول في كلمات السيد الأستاذ ـ دام ظله ـ بأنه : « ان أريد بوجود الملازمة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له وجودها مطلقا حتى للجاهل بالوضع فبطلانه من الواضحات التي لا تخفي على أحد ، فان هذا يستلزم أن يكون سماع اللفظ وتصوره علة تامة الانتقال الذهن إلى معناه ولازمه استحالة الجهل باللغات مع أن إمكانه ووقوعه من أوضح البديهيات. وإن أريد به ثبوتها للعالم بالوضع فقط دون غيره فيرد عليه : ان الأمر وإن كان كذلك يعني ان هذه الملازمة ثابتة له دون غيره إلا أنها ليست بحقيقة الوضع بل هي متفرعة عليها ومتأخرة عنها رتبة ، ومحل كلامنا هنا في تعيين حقيقته التي تترتب عليه الملازمة بين تصور اللفظ والانتقال إلى معناه » (١)
وكأنه يراد أن يقال : بأن الملازمة باعتبارها مشروطة بالعلم بالوضع تكون متأخرة رتبة عنه فلا يعقل أن يكون الوضع هو نفس هذه الملازمة وإلا يلزم تأخر الشيء عن نفسه.
وهذا المقدار يمكن أن يجاب عليه : بأن الوضع هو جعل هذه الملازمة المشروطة لانفسها ، ولا يلزم حينئذ تأخر الشيء عن نفسه لأن المتأخر عن العلم بالوضع الملازمة المجعولة باعتبارها مشروطة بالعلم والعلم بالوضع لا يراد به العلم بهذه الملازمة المجعولة بل بجعلها ونتيجة ذلك ان فعلية الملازمة تتوقف على جعلها كبرويا وهذا هو الوضع
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ١ ص ٤٢ ـ ٤٣