الاستقرائية مثلا بوصفها صنفا خاصا في التقسيم المذكور يمكن الحديث في نطاقها عن أصل المنهج الاستقرائي ، والحجج الشرعية بوصفها تمثل صنفا آخر من الدليلية ـ وهو الدليليّة التعبدية بحكم الشارع ـ يمكن الحديث في نطاقها عن أصل الحجية التعبدية وتحليلها. وبهذا يستهل كل صنف بما يكون بمثابة المنطق أو المنهج بالنسبة إليه ، بينما لا يتأتى ذلك. بنفس الدرجة من السهولة والدقة في التقسيم الثاني ، إذ قد تندمج بموجبة القاعدة ذات الدلالة اللفظية والأخرى الاستقرائية والثالثة التعبدية في صنف واحد لمساهمتها جميعا في الاستنباط من دليل واحد.
وبهذا قد يصح أن يقال : بأن التقسيم الأول هو الأفضل إذا نظر إلى علم الأصول بنظرة تجريدية ، أي بصورة منفصلة عن تطبيقه في علم الفقه. وان التقسيم الثاني هو الأفضل حينما ينظر إليه موزعا من خلال التطبيق وعلم الفقه. ومسألة تعيين أحد التقسيمين مسألة اختيار وتفضيل حسب وجهة النّظر.
وسنسير في بحوثنا هذه سيرا يقارب منهج التقسيم الأول ، لأنه بذلك يكون أقرب إلى الانطباق على المنهج المألوف في الكتب الأصولية التي وضعتها مدرسة الشيخ الأنصاري في الأصول. غير أننا فضلنا منهج التقسيم الثاني في الحلقات الدراسية الجديدة التي وضعناها كبديل للكتب الدراسية الأصولية القائمة فعلا لأنه في رأينا أكثر قدرة على إعطاء الطالب صورة أوضح عن دور القاعدة الأصولية في المجال الفقهي ، ورؤية أجلى لكيفية الممارسة الفقهية لقواعد علم الأصول.